للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكمال: واستَقْرَيْنا الناسَ فلم نجدْ في واحدٍ منهم حقيقةَ ما عرَفْناه، حتى إِذا صِرْنا إلى المخاطَبِ، وَجدْناه قِد استكمَلَ هذه الصفةَ، واستجمعَ شرائِطَها، وأخلصَ جوهرَهَا، ورسَخَ فيهِ سِنخُها١. ويُبيِّن لك أنَّ الأمرَ كذلك اتفاقُ الجميعِ على تفسيِرهم له بمعنى الكامِل، ولو كان المعنى على أنهُ اسْتغْرق الشجاعاتِ التي يُتوهَّمُ كونها في الوصوفين بالشجاعة، لَمَا قالوا إنَّه بمعنى الكامل في الشجاعِة، لأنَّ الكمالَ هو أن تكونَ الصِّفة على ما يَنْبغي أَن تكونَ عليه، وأنْ لا يخالِطَها ما يَقْدحُ فيها، وليس الكمالُ أن تجتمعَ آحادُ الجنسِ وينضمَّ بعضُها إلى بعض. فالغرض إذان بقولنا: "أنتَ الشجاعُ"، هو الغرَضُ بقولهم: "هذه هيَ الشجاعةُ على الحقيقة، وما عَداها جُبْنٌ" و "هكذا يكون العلم، وما عداه تخيل"٢، و "هذا هو الشعرُ" وما سواهُ فليس بشيءٍ". وذلك أَظَهرُ من أَنْ يَخفى.

٢٢٠ - وضربٌ آخرُ منَ الاستدلال في إبطالِ أن يكونَ "أنتَ الشجاعُ" بمعنى أنكَ كأنكَ جميعُ الشجعانِ، على حَدِّ "أنتَ الخلْقُ كلُّهم"٣، وهو أنك في قولك: "أنت الخلق" و "أنت الناس كلهم" و "قد جميع العالَم مِنْكَ في واحدٍ"، تدَّعي له جميعَ المعاني الشريفةِ المتفرقةِ في الناسِ، من غيرِ أن تُبْطِل تلك المعاني وتَنْفيها عن الناس، بل على أن تَدَّعي له أمْثالَها. ألا تَرى أنك إذا قلتَ في الرجلِ: "إنه معدود بألف رجل"، فلست


١ "سنخها"، أصلها وجذرها.
٢ في "س"، وفي نسخة عهند رشيد رضا: "وهذا هو العلم، وما عداه جهل".
٣ انظر الفقرة رقم: ٢١٨.