٢٥٧ - ومثلُ ذلك قولُه تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[البقرة: ٦، ٧] قولُه تعالى: {لا يُؤْمِنُونَ}، تأكيدٌ لقولِه:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}، وقولُه:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ}، تأكيدٌ ثانِ أبلغُ من الأول، لأنَّ مَن كان حالُه إذا أنذر مثل حاله إذا لم يندر، كانَ في غايِة الجَهْل، وكان مطبوعاً على قَلْبِه لا محالةَ.
٢٥٨ - وكذلكَ قولُهُ عَزَّ وجَلَّ:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ}[البقرة: ٨، ٩] إنما قال "يخادعون" ولم يقل: "ويخادعون" لأنه هذه المخادعةَ ليست شيئاً غيرَ قولِهم: "آمنا"، من غير أن يكونوا مؤمنين، فهو إذن كلامٌ أَكَّدَ به كلامٌ آخرُ هو في معناه، وليس شيئاً سواه.
٢٥٩ - وهكذا قولُه عزَّ وجلَّ:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}[البقرة: ١٤]، وذلك لن معنى قولهم:"إنّا معكُم": أّنا لم نؤمنْ بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم نترك اليهودية. وقولهم:{إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} خبرٌ بهذا المعنى بعينه، لأنَّه لا فَرْقَ بين أن يقولوا:"إن لم نَقُل ما قُلْناه من أنَّا آمنا إلا استهزاء"، وبين أن يقولوا:"إن لم نَخْرُجْ من دينكِم وإنَّا معكم"، بل هما في حُكْم الشيءِ الواحد، فصار كأنهم قالوا:"إن معكم لم تفارقكم" فكما لا يكون "إنا لم نفارقْكم" شيئاً غيرَ {إِنَّا مَعَكُمْ}، كذلك لا يكون {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} غيرَه، فاعرِفْه.
٢٦٠ - ومن الواضحِ البَيِّنِ في هذا المعنى قولُه تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا}[لقمان: ٧]، لم يأت معطوفًا.