للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نحو: {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} لأنَّ المقصودَ من التشبيه بِمَنْ في أذنيه وقْرٌ، هُوَ بعينه المقصودُ من التشيبه بمن في أذنيه وقر، وهو بعينه المقصودُ مِنَ التشبيه بِمَنْ لم يسمع، إلاَّ أنَّ الثاني أبلغُ وأكَدُ في الذي أُرِيدَ.

وذلك أنَّ المعنى في التشبيهين جميعاً أنْ يَنْفِيَ أن يكونَ لتلاوةِ ما تُلِيَ عليه من الآياتِ فائدَةٌ معه، ويكونَ لها تأثيرٌ فيه، وأنْ يجعلَ حالَه إذا تُلِيتْ عليه كحالِه إذا لم تُتْلَ. ولا شبهةَ في أن التشبيه بِمَنْ في أذنيه وقرٌ ابلغُ وآكَدُ في جعلِه كذلكَ، مِنْ حيثُ كان مَنْ لا يصحُّ منه السَّمْعُ وإن ارادَ ذلكَ، أبعدَ مِنْ أنْ يكونَ لتلاوةِ ما يُتْلَى عليه فائدةٌ، مِنَ الذي يصحُّ منه السَّمْعُ إلا أنه لا يسمعُ، إما اتفاقاً وإما قصداً إلى أنْ لا يسمعَ. فاعرفْه وأحسِنْ تدبُّره.

٢٦١ - ومنَ اللطيف في ذلك قولُه تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: ٢١]، وذلك أن قوله: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}، مشابِكٌ لقولِهِ: {مَا هَذَا بَشَرًا} ومُداخلٌ في ضِمْنه من ثلاثة أوجهٍ١: وجهان هو فيهما شبيهٌ بالتأكيدِ، ووجهٌ هو فيه شبيهٌ بالصفةِ.

فأحدُ وجهَيْ كونِه شبيهاً بالتأكيدِ، هو أنه إذا كان مَلكاً لم يكن بشراً، وإذا كان كذلك كان، إثباتُ كونِهِ ملكاً تحقيقاً لا محالَة، وتأكيداً لنفي أنْ يكونَ بشراً.

والوجهُ الثاني أن الجاريَ في العرِف والعادةِ أنه إذا قيلَ: ما هذا بشراً وما هذا بآدميٍّ" والحال حالُ تعظيمٍ وتعجُّبٍ مما يُشَاهَدُ في الإِنسانُ مِنْ حُسْنِ خلْقٍ أو خُلُق٢ أن يكونَ الغرضُ والمرادُ من الكلام أن يقال إنه ملك،


١ في "س"، ونسخة عند رشيد رضا: "وداخل في ضمنه".
٢ السياق: " ..... أنه إذا قيل .... أن يكون الغرض .... ".