للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عفاه كل حنان ... عسوف الويل هَطّالِ١

لما قالَ: "عفا من بعدِ أحوالِ"، قَدَّرَ كأنه قيلَ له: "فما عفاهُ؟ " فقالَ: "عفاه كلُّ حنَّان".

٢٧٣ - واعلمْ أن السؤالَ إِذا كانَ ظاهراً مذكوراً في مثلِ هذا، كان الأكثرُ أنْ لا يُذكرَ الفعلُ في الجوابِ، ويُقْتَصرَ على الاسمِ وحدهَ. فأما مع الإِضمار فلا يجوزُ إلاَّ أن يُذْكرَ الفعلُ

تفسيرُ هذا: أنه يجوز لك إِذا قيلَ: "إنْ كانتِ الرياحُ لم تَعْفُه فما عفاهُ؟ " أن تقول: "من حدابهم وسَاقا" ولا تقولَ: "عفاهُ مَن حدا"، كما تقولُ في جوابِ من يقولُ: "مَنْ فعلَ هذا؟ ": زيدٌ ولا يجبُ أن تقولَ: "فعلَه زيدٌ".

وأما إذا لم يكنِ السُّؤالُ مذكوراً كالذي عليه البيتُ، فإِنَّه لا يجوزُ أن يُتْرَكَ ذكرُ الفعلِ. فلو قلتَ مثلا: "وما عفت الرياح له محلًا، من حدابهم وساقًا" تزعم أنك أردت "عفاه من حدابهم"، ثم ترك ذكرَ الفعلِ، أَحَلْتَ٢، لأنه إنَّما يجوزُ تركُه حيثُ يكونُ السؤالُ مذكوراً، لأَن ذكرَه فيه يدلُّ على إرادتِه في الجوابِ، فإِذا لم يوت بالسُّؤالِ لم يكن إلى العلم بهِ سبيلٌ، فاعرف ذلك.


١ في شعره المجموع، والأغاني: ٣٢، "الدار"، و "الحنان" من صفة السحاب الذي يسمع رعده كحنين الإبل. و "عسوف"، مطره شديد العسف، و "الويل" المطر الشديد، و "هطال" متتابع الودق.
٢ السياق: "فلو قت مثلًا .... تزعم أنك أردت .... أحلت"، أي جئت بالمحال.