للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استأنفَ قولَه: "انتقمَ اللهُ من الكاذبِ"، لأَنه جعلَ نفسَه كأنه يجيبُ سائلاً قالَ له: "فما تقولُ فيما اتَّهمكَ به مِن أنَّك كاذبٌ؟ " فقال أقولُ: "انتقمَ اللهُ منَ الكاذبِ".

٢٧٠ - ومن النادرِ أيضاً في ذلك قولُ الآخَرِ:

قالَ لي كيْفَ أَنْتَ قُلْتُ عَليلٌ ... سَهَرٌ دائمٌ وحُزْنٌ طَوِيْلُ١

لِما كانَ في العادةِ إذا قيلَ للرجلِ: "كيفَ أنتَ؟ " فقالَ: "عليلٌ"، أن يسألَ ثانياً فيقالَ: "ما بكَ؟ وما علَّتُك؟ "، قَدَّر كأنه قد قيلَ له ذلكَ، فأَتَى بقولِه: "سهرٌ دائمٌ" جواباً عَنْ هذا السؤالِ المفهوم مِن فحوى الحالِ، فاعرفهْ:

٢٧١ - ومن الحسن البين في ذلك قول المتنبي:

وما عقب الرياح له محلًا، ... عفاه من دا بِهِمُ وَساقا٢

لمَّا نَفَى أن يكونَ الذي يُرى به منَ الدُّروسِ والعَفاءِ منَ الرياحِ، وأن تكونَ التي فعلتْ ذلك، وكان في العادةِ إذا نُفِيَ الفعلُ الموجودُ الحاصلُ عن واحدٍ فقيلَ: "لم يفعلْه فلانٌ"، أن يقالَ: "فمَنْ فعلَه؟ " قدَّر كأنَّ قائلاً قال: "قد زعمتَ أنَّ الرياحَ لم تَعْفُ له مَحلاً، فما عفاه إذن؟ "، فقالَ مجيباً له: "عفاهُ مَنْ حَدا بِهم وساقا".

٢٧٢ - ومثله قوله الوليد بن يزيد:

عَرفْتُ المَنْزلَ الخالي ... عَفا مِنَ بَعْدِ أحَوْالِ


١ مشهور غير منسوب.
٢ في دويانه.