للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك أن قولَه: "لهم إلفٌ" تكذيبٌ لدعواهُم أنهم من قريش، فهو إذن بمنزلةِ أن يقولَ: "كذبتُم، لهم إلفٌ، وليس لكم ذلك": ولو قال: "زعمتم أن إخوانكم قريشٌ ولهم إلفٌ وليس لكم إلافٌ"، لصارَ ممنزلة أن يقول: "زعمتم أن إخواتكم قريش وكذبتم"، في أنه كان خيرج عن أن يكون موضوعاً على أنه جوابُ سائلٍ يقولُ له: "فماذا تقولُ في زعمتم ذلك في دعواهم؟ " فاعرِفْه.

واعلمْ أنه لو أظهرَ "كذَبتْمُ"، لكان يجوزُ له أن يَعْطِفَ هذا الكلامِ الذي هو قولُه: "لهم إلفٌ" عليه بالفاء، فيقول: "كَذَبْتُم فلهم إلفٌ، وليس لكم ذلك" فأما الآنَ فلا مَسَاغَ لدخولِ الفاءِ البتَّةَ، لأنَّه يصيرُ حينئذٍ معطوفاً بالفاء على قولِه: "زَعَمْتُم أن إخوانكم قريش"، وذلك يخرج إلى المجال، مِنْ حيثُ يصير كأَنه يستشهدُ بقوله: "لهم إلفٌ"، على أنَّ هذا الزعمَ كان منهم، كما أنك إذا قلت: "كذبتم فهلم إلفٌ"، كنتَ قد استشهدتَ بذلكَ على أنهمْ كذبوا، فاعرِفْ ذلك.

٢٦٩ - ومن اللطيفِ في الاستئناف، على معنى جعلِ الكلامِ جواباً في التقديرِ، قول اليزيدي:

مَلَّكْتُهُ حَبْلي ولكنَّهُ ... أَلْقَاهُ من زُهْدٍ عَلى غارِبي

وقالَ إِنّي في الهَوى كاذِبٌ ... انْتَقَمَ الله من الكاذب١


١ "اليزيدي"، هو "أبو محمد"، "يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي"، والبيتان غير منسوبين في الأغاني ٢٢: ١٦٨ "الهيئة".