٢٩٠ - وليتَ شِعْري مِنْ أينَ لِمَنْ لَمْ يتْعَبْ في هذا الشأن، ولم يمارسْه، ولم يوفرْ عنايَتَه، عليه، أنْ يَنْظُرَ إلى قولِ الجاحظِ وهو يذكر عجاز القرآن:
"وَلو أَنَّ رجلاً قرأَ على رَجُلٍ منْ خُطبائهم وبُلَغائهم سورةً قصيرةً أو طويلةً، لَتبيَّنَ له في نظامِها ومَخْرجها منْ لفظِها وطابعها، أنه عاجز من مِثْلها، ولو تَحدَّى بها أبلَغَ العربِ لأَظْهَر عجْزَه عنها"١.
وقولِه وهو يَذكُر رواةَ الأَخبار:
"ورأيتَ عامتَهم، فقد طالَتْ مُشاهَدتي لَهُم وهُم لا يَقفونَ إلاَّ على الألفاظِ المتخيَّرةِ، والمعاني المنتخَبة، والمخَارِج السهلةِ، والديباجةِ الكريمةِ، وعلى الطبعِ المتمكِّن، وعلى السَّبْك الجيِّد، وعلى كلِّ كلامٍ له ماء ورونق".
"وما كانَ ينبغي أن يُمدَح بهذا البيتِ إلاَّ مَنْ هُوَ خيرُ أهلِ الأرضِ، على أَني لم أُعْجَب بمعناه أكثرَ من عَجَبي بلفظهِ، وطَبْعه، ونَحْته، وسَبْكه، فيَفْهَمُ منه شيئاً أو يقفُ للطابَع والنظامِ والنحْتِ والسَّبْكِ والمَخَارجِ السَّهْلةِ، على معنى، أو يَحْلى منه بشيءٍ، وكَيْفَ بأنْ يَعْرفه؟ ولربَّما خفيَ على كثيرٍ من أَهْله".
٢٩١ - واعلمْ أن الداءَ الدَّويَّ، والذي أعيا أمرُهُ في هذا الباب، غَلطُ منْ قدَّمَ الشعرَ بمعناه، وأقلَّ الاحتفالَ باللفظِ، وجعَلَ لا يُعطيهِ من المزية إن هو
١ هو في كتابه "حجج النبوة"، انظر رسائل الجاحظ ٣: ٢٢٩، وفيها: "وفي لفظه وطبعه".