للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَعطى إلاَّ ما فَضَل عن المعنى يقولُ: "ما في اللفظِ لولا المعنى؟ وهلِ الكلامُ إلا بمعناه؟ ". فأنتَ تراهُ لا يُقدِّم شعراً حتى يكونَ قد أَوْدَعَ حكمةً وأَدباً، واشتملَ على تشبيهٍ غريبٍ ومعنى نادرٍ، فإنْ مالَ إلى اللفظِ شيئاً، ورأى أنْ ينحلَه بعضَ الفضيلةِ، لم يَعِرفْ غيرَ "الاستعارةِ"، ثم لا يَنْظُر في حالِ تلك "الاستعارةِ" أَحَسُنَتْ بمجرَّدِ كونِها استعارةً، أَمْ مِن أجْل فَرْقٍ ووَجْهٍ أم للأمرَيْن؟ لا يحفلُ بهذا وشبههِ، قد قَنَعَ بظواهرِ الأمورِ، وبالجُمَل، وبأنْ يكونَ كَمَنْ يَجْلُبُ المتاعَ للبيعِ، إِنما همُّه أن يروِّجَ عنه. يرى أنَّه إِذا تكلمَ في الأخذ والسرقةِ، وأحْسَنَ أن يقولَ: "أخذَهُ من فلانٍ، وألمَّ فيه بقولِ كذا"، فقدِ استكمل الفضْلَ، وبلغَ أقصى ما يرادُ.

٢٩٢ - واعلمْ أنَّا وإنْ كنَّا إذا اتَّبَعْنا العُرفَ والعادةَ وما يَهْجسُ في الضَّميرِ وما عليه العامَّةُ، أرَانا ذلكَ أنَّ الصوابَ معهم، وأنَّ التعويلَ ينبغي أن يكونَ على المعنى. وأنَّه الذي لا يَسوغُ القولَ بخلافِه١ فإنَّ الأمرَ بالضدِّ إذا جئْنا إلى الحقائقِ، وإلى ما عليه المحصِّلون، لأنَّا لا نَرى متقدِّماً في علمِ البلاغةِ، مبرِّزاً في شأوِها، إلاَّ وهو يُنْكِرُ هذا الرأيَ وَيعيبُه، ويُزْري على القائل به ويغض منه.

معرفة الشعر وتمييزه، والأخبار في ذلك:

٢٩٣ - ومن ذلك ما رُويَ عن البحتَريِّ. رُويَ أنَّ عبيد الله بن عبد الله ابن طاهرٍ سألَه عن مُسْلم وأبي نُوَاس: أيُّهما أشعرُ؟ فقال: أبو نُوَاس. فقالَ: إنَّ أبا العباسِ ثَعْلباً لا يوافقُك على هذا. فقال: ليس هذا من شأن ثعلب


١ السباق: "واعلمْ أنَّا وإنْ كنَّا إذا اتَّبَعْنا العُرفَ .... أرانا ذلك أن الصواب معهم .... فإنَّ الأمرَ بالضدِّ إذا جئْنا إلى الحقائقِ".