للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣٠٩ - واعلمْ أنَّ السببَ في أَنْ أَحالوا في أشباهِ هذِه المحاسنِ التي ذكرْتُها لكَ على اللفظِ، أنها ليستْ بأنفُس المعاني، بل هي زياداتٌ فيها وخصائصُ. ألا ترى أنْ ليستِ المزيةُ التي تجدُهَا لِقولك: "كأنَّ زيداً الأسدُ" على قولك: "زيد كالأسد"، لشيء خارجٍ عن التشبيه الذي هو أصْل المعنى١، وإِنما هو زيادةٌ فيه وفي حُكْم الخصوصيَّةِ في الشَّكْلِ، نحْو أن يُصاغَ خاتمٌ على وجهٍ، وآخرُ على وجهٍ آخرَ، تَجمعُهما صورةُ الخاتَمِ، ويفترقان بخاصَّةٍ وشيءٌ يُعْلَم، إلاَّ أنه لا يُعْلَم منفرداً.

ولمَّا كانَ الأمرُ كذلك، لَم يُمكِنْهم أنْ يُطلِقوا اسمَ المعاني على هذه الخصائص، إِذا كان لا يَفترِقُ الحالُ حينئذٍ بينَ أصْلِ المَعنى، وبين ما هو زيادةٌ في المعنى وكيفيةٌ له وخصوصيةٌ فيه، فلمَّا امتنعَ ذلكَ تَوصَّلوا إِلى الدَّلالة عليها بأنْ وَصفوا اللفْظَ في ذلك بأوصافٍ يُعْلمُ أنها لا تكونُ أوصافاً له من حيثُ هو لفظٌ، كنحْوِ وصْفِهم له بأنَّه لفظٌ شريفٌ، وأنه قد زانَ المعنى، وأنَّ له ديباجةً، وأنَّ عليه طُلاوة، وأنَّ المعنى منه في مثلِ الوشْي، وأنه عليه كالحَلْي، إِلى أشباهِ ذلك مما يُعْلَم ضرورةً أنه لا يُعنَى بمثلِه الصوتُ والحرفُ. ثمَّ إِنه لمَّا جرَت به العادةُ واستمرَّ عليه العُرفُ وصارَ الناسُ يقولون اللفظَ واللفظ لزم من ذلكَ بأنفُسِ أقوامٍ باباً منَ الفسادِ٢، وخامَرهم منه شيء لست أحسن وصفه.


١ في المطبوعة: "شيئًا خارجًا".
٢ يقال: "لزه يلزه لزًا"، شده وألصقه وقرنه به، وأصله من "لزاز البيت"، وهو الخشبة التي يلز بها الباب. في "ج": "لز ذلك"، وفي المطبوعة: "لز ذلك .... بابًا"، وكلاهما خطأ والصواب في "س".