للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجملةُ الأمرِ أَنَّا لا نعلمُ أحداً جعلَ جمود العين دليل سرورة وأمارةَ غِبْطةٍ، وكنايةٍ عن أنَّ الحالَ حالُ فرحٍ.

فهذا مثالٌ فيما هو بالضدِّ مما شرَطوا من أنْ لا يكونَ لفظُه أسبقَ إلى سَمعك، من معناهُ إِلى قلبكِ لأنَك ترى اللفظَ يصِلُ إِلى سمعِكَ، وتحتاجُ إِلى أن تحب وتُوضِعَ في طلبِ المعنى.

ويَجْري لكَ هذا الشرحُ والتفسيرُ في "النظْمِ" كما جرَى في "اللفظِ"، لأنه إِذا كان النظْمُ سَويّاً، والتأليفُ مستقيماً، كان وُصولَ المعنى إِلى قلبِك، تِلوَ وصولِ اللفظِ إِلى سَمْعك. وإِذا كان على خلافِ ما ينبغي، وصَلَ اللفظُ إلى السمعِ، وبقيت في المعنى تطلبه وتنعب فيه، وإِذا أفرطَ الأمرُ في ذلكَ صارَ إِلى التعقيدِ الذي قالوا: "إِنه يسْتَهِلكُ المعنى".

٣١٤ - واعلمْ أنْ لمْ تَضِقِ العبارةُ ولم يُقَصِّرِ اللفظُ ولم يَنْغَلقِ الكلامُ في هذا الباب١، إلاَّ لأنَّه قد تَناهى في الغُموض والخَفَاء إلى أقصى الغايات، وأنكَ لا ترى أغْربَ مَذْهباً، وأعجَبَ طريقاً، وأحْرى بأن تَضْطرِبَ فيه الأراءُ، منه. وما قولُك في شيءٍ قد بلَغ مِنْ أمرِه أن يُدَّعَى على كبار العلماء أنهم لم يَعْلَموه ولم يَفْطِنوا له؟ فقد ترى أنَّ البحتريَّ قال حينَ سُئِلَ عن مسلمٍ وأبي نُوَاس: أيُّهما أشعرُ؟ فقال: أبو نُوَاس. فقيل: فإنَّ أبا العباس ثَعلباً لا يوافقُك على هذا. فقال: ليس هذا من شأنَ ثَعْلَب وذويهِ مِن المُتعاطينَ لعلْمِ الشعرِ دُون


١ في "ج": "يتعلق"، تحت العين "ع"، تثبيتًا لإهمالها، وليس بجيد.