للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"ما قاربَ أنْ يَفْعل"، مقْتضِياً على البتَّ أنه قد فعل١.

٣١٩ - وإذا قد ثبتَ ذلك، فمن سبيلكَ أن تَنْظُر. فمتى لم يكنِ المعنى على أنه قد كانت هناك صورةٌ تقتضي أنْ لا يكونَ الفعلُ، وحالٌ يَبعُدُ معَها أن يكونَ، ثُمَّ تغيَّرَ الأمرُ، كالذي تراهُ في قولِهِ تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: ٧١]، فليس إلاَّ أن تُلزِمَ الظاهرَ، وتجعلَ المعنى على أنك تَزْعمُ أنَّ الفعلَ لم يقارِبْ أن يكونَ، فضلاً عن أن يكون.

فالمعنى إذن في بيتِ ذي الرّمة على أنَّ الهوى مِنْ رسوخِه في القلبِ، وثُبوته فيه وغلَبَته على طِباعِه، بحيثُ لا يُتوَهَّم عليه البِراحُ، وأنَّ ذلك لا يقارِبُ أن يكونَ، فضلاً عن أن يكونَ، كما تقولُ: "إِذا سَلاَ المُحِبُّونَ وفَتَروا في محبتهم، لم يقع لي في وهم، ولم يجر متى على بالٍ: أنه يجوزُ عَلَيَّ ما يُشْبِه السلوة، وما بعد فترةً، فضلاً عن أنْ يُوجَدَ ذلك مني وأصبر إِليه.

وينبغي أنْ تعلمَ أنَّهُمْ إِنما قالوا في التفسير: "لم يَرها ولم يكد"، فبدأُوا فنقوا الرؤية، ثم عطفوا "لم يكد" عليه، ليعموك أنْ ليس سبيلُ "لم يكد" ههنا سبيلَ "ما كادوا" في قولهِ تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: ٧١]، في أنه نَفْيٌ معقِّبٌ على إثباتٍ، وأنْ ليس المعنى على أنَّ رؤيةً كانت مِنْ بعْدِ أن كادتْ لا تكون، ولكنَّ المعنى على أنَّ رؤيتَها لا تُقارِب أنْ تكونَ، فضلاً عن أن


١ في هامش "ج" حاشية لعبد القاهر، هذا نصها:
"إذا لم يقع في جواب "إذا"، وجب أن يتقدمه نفي كقولك: "ما فعله ولا كاد يفعل، فاعرفه".
يقول أبو فهر: قوله: "إذا لم يقع، يعني نفي "كاد".