للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"النظمِ"، وتعلمُ به كيف يكونُ الإيجازُ بهِ وما صُورَتُه؟ ١ وكيفَ يُزادُ في المعنى من غيرِ أن يُزاد في اللفظِ، إِذ قدْ ترَى أنْ ليس إِلاّ تقديمٌ وتأخيرٌ، وأنه قد حصَل لك بذلك من زيادةِ المعنى، ما إِنْ حاولتَ مع تَرْكِهِ لم يحصُلْ لك، واحتجْت إِلى أن تَسْتَأْنِفَ له كلاماً، نحو أن تقول: "وجعلوا الجن شركاء الله، وما يَنْبغي أن يكونَ للهِ شريكٌ لا مِنَ الجنِّ ولا مِنْ غَيْرهم"، ثم لا يكونُ له إِذا عَقَلَ من كلامَيْن من الشَّرَف والفخامةِ ومِن كَرَمِ الموقعِ في النفسِ، ما تَجِدُه له الآنَ وقد عَقلَ من هذا الكلام الواحد.

القول في: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاة}:

٣٣٩ - ومما يُنظرُ إِلى مثلِ ذلكَ٢، قولُه تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: ٩٦] إِذا أنتَ راجعتَ نفسَك وأذكيتَ حسَّك، وجدتَ لهذا التنكيرِ وأنْ قِيلَ: "على حياةٍ"، ولم يُقَلْ: "على الحياةِ"٣، حُسْناً وروعةً ولطفَ موقعٍ لا يقادره قدرُه، وتَجِدُكَ تَعْدَمُ ذلكَ مع التعريفِ، وتخرجُ عن الأريحيةِ والأُنْس إِلى خلافِهما. والسببُ في ذلك أنَّ المعنى على الازدِياد منَ الحياةِ لا الحياة من أصلها، وذلك أنه لا يَحْرِصُ عليه إِلاّ الحيُّ، فأمَّا العادِمُ للحياة فلا يصحُّ منه الحرْصُ على الحياةِ ولا على غيرها٣. وإِذا كانَ كذلكَ، صارَ كأنه قيلَ: "ولتجدنَّهُمْ أحْرَصَ الناسِ، ولو عاشوا ما عاشوا، على أن يزدادوا إِلى حياتِهم في ماضي الوقت وراهِنِه، حياةً في الذي يَستقْبِل"٤. فكما


١ في "س": كيف يكون الإعجاز وما صورته".
٢ "ومما ينظر إلى مثل ذلك"، ليس في "ج" ولا "س".
٣ من أول قوله: "حسنًا" إلى قوله هنا: " .... الحرص على الحياة، ساقط من "ج".
٤ في هامش المخطوطة "ج"، بخط الناسخ، وهو من تعليقات عبد القاهر على الأرجح، ما نصه:
"أي: أن يزدادوا إلى حياتهم في راهن الحياة، بمنزلة أن تقول: يحبون أن يزدادوا إلى حياتهم في راهن الحال مثل الحياة من أصلها. وكلاهما غاية الحسن".