للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل:

الآفة العظمى في ترك البحث عن العلة التي توجب المزية في الكلام:

٣٤٤ - واعلمْ أنه لا يصادِفُ القولَ في هذا البابِ موقعاً من السامِعِ، ولا يَجدُ لديه قَبولاً، حتى يكونَ من أهلِ الذوقِ والمعرفةِ، وحتى يكونَ ممن تُحدِّثهُ نفسُه بأنَّ لِمَا يُومئُ إِليه من الحُسْن واللطْف أصْلاً، وحتى يختلفَ الحالُ عليه عندَ تأمُّلِ الكلامِ، فيجَدَ الأريحيَّة تارةً، ويعْرى منها أخرى، وحتى إِذا عجَّبْتَه عَجِبَ، وإذا نَبَّهْتَه لَموضع المزيةِ انْتَبَه.

فأما من كان الحالانِ والوجهانِ عنده أبداً على سَواء، وكان لا يفقد من أمرِ "النظمِ" إِلا الصحَّةَ المُطلقةَ، وإلاَّ إِعراباً ظاهراً، فما أقَلَّ ما يُجدي الكلامُ معه. فَلْيَكُنْ مَنْ هذه صِفتُهُ عندكَ بمنزلةِ مَنْ عَدِمَ الإحساسَ بوزِن الشِّعر، والذوقِ الذي يُقيمه به، والطَّبعَ الذي يُميٍّزُ صحيحَه من مكسورِه، ومَزاحِفه من سالِمِه، وما خرجَ مِن البحرِ ممَا لم يَخْرُجُ منهُ١ في أنك لا تتصدَّى له، ولا تتكلَّفُ تعريفَه، لِعلْمِكَ أنه قد عدمَ الأداةَ التي معها يَعرفُ، والحاسَّةَ التي بها يَجدُ. فليكُنْ قَدْحُكَ في زنَدٍ وارٍ، والحكُّ في عُودٍ أنت تطمعُ منه في نار.

٣٤٥ - واعلمْ أنّ هؤلاء، وإنْ كانوا همُ الآفةَ العظمى في هذا البابِ، فإنَّ مِن الآفَةِ أيضاً مَنْ زَعم أنه لا سبيلَ إِلى معرفةِ العِلَّةِ في قليلِ ما تعرف المزية


١ السياق: "فَلْيَكُنْ مَنْ هذه صِفتُهُ عندكَ بمنزلةِ مَنْ عدم الإحساس ... في أنك لا تتصدى له".