أنْ تزعُمَ أنَّ "لصيَّرني" فاعلاً قد نُقِلَ عنه الفعلُ، فجُعِلَ "للهوى" كما فُعِلَ ذلك في "ربحت تجارتهم" و "يحمي نساءنا ضرْبُ"، ولا تستطيعُ كذلك أن تُقدِّر "ليزيد" في قوله: "يزيدُك وجهُه" فاعلاً غيرَ "الوجهِ"، فالاعتبار إذنْ بأنْ يكونَ المعنى الذي يرجِعُ إليه الفعلُ موجوداً في الكلام على حقيقته.
معنى ذلك أن "القدوم" في قولك: "أقدمي بلدَك حقٌّ لي على إنسان"، موجودٌ على الحقيقة، وكذلك "الصيرورةُ" في قوله: "وصيَّرني هواك"، و "الزيادة" في قوله: "يزيدُك وجهُه" موجودتان على الحقيقة، وإذا كان معنى اللفظِ موجوداً على الحقيقةِ، لم يكُنِ المجازُ فيه نَفْسَه، وإِذا لم يكنِ المجازُ في نفسِ اللفظِ، كان لا مَحالة في الحُكْم. فاعرفْ هذه الجملةَ، وأَحْسِنْ ضبْطَها، حتى تكونَ على بصيرةٍ من الأمر.
٣٥٤ - ومنَ اللطيف في ذلك قولُ حاجزِ بنِ عوف:
أَبي عَبَرَ الفوارسَ يومَ دَاجٍ ... وعمِّي مالكٌ وضع السهاما
فلو صاحبتنا لرضيت منا ... إذا لم تعبق المائة الغلاما١
١ حاجز بن عوف بن الحارث الأردي، جاهلي صعلوك عداء، والشعر في الأغاني ١٣: ٢١٠، ٢١١ ورواية صاحب الأغاني "أبي ربع الفواس ... "، أي أخذ ربع الغنائم. وأما "عبر الفرواس"، كما هنا، فهي بمعنى، استدل لهم حتى يعرف من أمرهم ما يعنيه، وذلك لأن أباه قال لأصحابه: "انزلوا حتى أعبتر لكم" و "يوم داج"، قال صاحب الأغاني، أغار عوف بن الحارث ... على بني هلال بن عامر بن صعصعة في يوم داج مظلم"، والذي يظهر أن "داج" اسم موضع، والله أعلم. وقوله "وعمي مالك"، فقال صاحب الأغاني هو "عم أبيه: مالك بن ذهل بن سلامان الأزدي" ثم فسر قوله: "وضع السهاما"، في قصة طويلة. وقوله: "لم تغبق المئة"، هو من "الغبوق"، وهو شرب اللبن آخر النهار. وشرحه الشيخ بعد. وفي المطبوعة وحدها "لرضيت عنا".