للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يريدُ أنَّ في أيماننا سيوفاً نَضْربكُم بها، ولولا قولُه أوَّلاً: "فإِنْ تعافوا العدلَ والإيمانَ"، وأنَّ في ذلك دلالةً على أنَّ جوابَه أنَّهم يُحَارَبُون ويُقْسَرُون على الطاعةِ بالسيفِ، ثم قولُه: "فإنَّ في أيماننا"، لمَا عُقِلَ مرادُه، ولما جازَ له أنْ يَستعيرَ النيرانَ للسيوفِ، لأنه كان لا يَعْقِل الذي يُريد، لأنَّا وإنْ كنَّا نقول: "وفي أيديهم سيوفٌ تلمع كأَنها شُعَلُ نارٍ"١ كما قال:

ناهضتَهُمْ والبارقاتُ كأنَّها ... شُعَلٌ على أيديهِمُ تَتَلهَّبُ٢

فإنَّ هذا التشبيه لا يبلُغُ مَبْلَغَ ما يُعْرَفُ مَعَ الإِطلاق، كمعرفتنا إذا قال: "رأيتُ أسداً"، أنهُ يُريد الشجاعةَ، وإذا قال: "لقيتُ شمساً وبدراً"، أنه يُريدُ الحُسْنَ ولا يقوى تلك القوة، فاعرفه٣.

ضرب مما طريق المجاز فيه، هو "الحكم"، ومثال وبيانه:

٣٥٨ - وممَّا طريقُ المَجاز فيه الحكْمُ، قولُ الخنساء:

تَرْتَعُ ما رتعَتْ، حَتّى إذا ادَّكَرَتْ ... فإنَّما هيَ إقْبالٌ وإِدبارُ٤

وذاك أنها لم تُرِدْ بالإِقبال والإِدبارِ غيرَ معناهُما، فتكونَ قد تجوَّزت في نفسِ الكلمةِ، وإنما تجوَّزَتْ في أَنْ جعلَتْها لكثرةِ ما تُقبِلُ وتُدْبِرُ، ولِغَلَبة ذاكَ عليها واتصاله منها٥، وإنه لم يكن لها حال غيرها، كأنها قد تجسمت من الإقبال


١ في المطبوعة وحدها: "شغل النيران".
٢ هو للبحتري في ديوانه.
٣ السياق "فإن هذا التشبيه لا يلغ مبلغ ما يعرف ... ولا يقوى تلك القوة".
٤ هو في ديوانها، تقوله في بقرة وحشية فقدت ولدها، وأدنوا إليها "بوا"، فحنت، وقبله:
فما عجول على بو تطيف به ... لها حنينان إصغار وإكبار
٥ في "المطبوعة، و "س": "واتصاله بها".