للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أن تكون الهاء في "إنه" ضميرَ "أنى تَرْضى" قبلَ الذكْرِ، ويكونَ "هو" فَصْلاً، ويكونُ أصْلُ الكلام: "إنَّ أنْ تَرضى النفوسُ ثِمادها هو الرِّيُّ" ثُم أُضمِر على شريطةِ التفسير.

وأَيَّ الأمَرْينِ كان، فإِنه لا بدَّ فيه من "إِنَّ"، ولا سبيلَ إلى إِسقاطها، لأنَّكَ إنْ أسقطْتَها أَفْضَى ذلكَ بكَ إلى شيءٍ شنيعٍ، وهو أن تقولَ: "وأَرْضى بها من بحر آخر هو الرى أن ترضى النفوس ثمادها".

"إن" تربط الجملة بما قبلها:

٣٧٦ - هذا، وفي "إنَّ" هذه شيءٌ آخرُ يُوجِبُ الحاجةَ إليها، وهو أَنها تَتولَّى من رَبْط الجملةِ بما قبْلَها نحواً مما ذكرتُ لك في بيتِ بشارٍ١. ألا ترى أَنك لو أَسقطْتَ "إنَّ" والضميرَيْنِ معاً، واقتصَرْتَ على ذكرِ ما يَبْقى من الكلامِ، لم تَقلْهُ إلا "بالفاء" كقولك: "وأرضَى بها من بحرِ آخرَ، فالريُّ أن ترضَى النفوسُ ثِمادها".

فلو أنَّ الفيلسوفَ قد كان تَتَبَّع هذه المواضعَ٢، لَما ظَنَّ الذي ظنَّ. هذا، وإِذا كان خلَفُ الأحمرُ وهو القدوةُ، ومَنْ يُؤخذُ عنه، ومَن هُو بحيثُ يَقول الشعرَ فيَنْحَلُه الفحولَ الجاهليينَ فيخفَى ذلك له، ويجوزُ أَنْ يَشْتبه ما نحن فيه عليه حتى يقَعَ له أن يَنْتَقِد على بشَّار٣، فلا غروَ أن تَدْخُلَ الشُّبهةُ في ذلك على الكندي.


١ انظر رقم: ٣٧٢.
٢ انظر الخبر في رقم: ٣٧١.
٣ انظر ما سلف رقم: ٣١٥.