للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: هو وإنْ جاء ههنا، فإِنه لا يكادُ يُوجَدُ مع الجملة منَ الشَّرْط والجزاء، بل تراهُ لا يجيءُ إلاَّ "بإن" على أنهم قد أجازوا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}، أنْ لا يكونَ الضميرُ للأَمر.

٣٧٥ - ومن لطيفِ ما جاء في هذا الباب ونادرِهِ، ما تجدُه في آخِرِ هذه الأبيات، أنشدها الجاحظ لبعض الحجازيين:

إذا طمع يومًا عراني قريته ... كتائب بأس كرَّها وطِرادَها

أَكُدُّ ثِمَادي والمياهُ كثيرةٌ ... أُعالِجُ مِنها حفْرَها واكْتِدادَها

وأَرْضى بها مِنْ بحرِ آخرَ، إنَّه ... هُوَ الرّيُّ أن تَرْضَى النفوسُ ثِمادَها١

المقصودُ قولُه: "إنه هو الرّيُّ"، وذلك أَن الهاءَ في "إنه" تحتَملُ أمرَيْن:

أحدُهما: أن تكونَ ضميرَ الأَمْرِ، ويكونَ قولُه: "هو" ضمير: "أن ترضى"، وقد أضمره قبل الذكْر على شريطةِ التفسير. الأصل: "إنَّ الأمرَ، أن ترضى النفوسُ ثِمادَها، الرِّيُّ"، ثم أُضمِر قبل الذكْرِ كما أُضمرِت "الأبصارُ" في "فإنها لا تَعْمَى الأبصار" على مذهب أبي الحسنِ، ثم أتى بالمضْمَرِ مصرَّحاً به في آخر الكلام٢، فعُلِمَ بذلك أن الضميرَ السابقَ له، وأنَّه المراد به.


١ هو في البيان والتبيين ٣: ٣٣٨، والبيتان الأخيران في مجالس ثعلب: ٦٦٤، واللسان "كدد". "عراني"، غشيني ونزل على نزول الضيف. "وكذا الشيء يكده"، و "أكنده"، نزعه بيده، يكون ذلك في السائل الجامد. و "الثماد"، الماء القليل، يقول: أرضى القليل وأقنع به. وفي هامش "ج" بخطه، ما نصه:
" من بحر آخر، أي: بدلًا من بحر آخر".
٢ في المطبوعة وحدها: "ثم أتى بالمفسر".