للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"إن"، و"إلا" وبيان المراد فيهما، والفرق بينهما وبين "إنما":

٣٩٣ - قولهُ تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [إبراهيم: ١٠] إنما جاء، والله أعلم، "بإن" و "إلاَّ" دونَ "إنَّما"، فلم يَقُلْ: "إنما أنتُم بشرٌ مثلُنا"، لأنهم جعلوا الرسلَ كأنهم بادِّعائهم النبوَّة قد أَخرجوا أنفُسَهم عن أن يكونوا بَشَراً مثلَهم، وادَّعوا أمْراً لا يجوزُ أنْ يكَون لِمَنْ هو بشرٌ. ولمَّا كان الأمرُ كذلك، أُخرجَ اللفظُ مُخرَجَهُ حيثُ يُرادُ إثباتُ أمرٍ يدفَعُه المخاطَبُ ويدَّعي خلافَه، ثم جاء الجوابُ منَ الرسُل الذي هو قولُه تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [إبراهيم: ١١]، كذلك "بإن" و "إلا" دون "إنَّما"، لأنَّ مِنْ حُكْمِ مَنْ ادَّعى عليه خصْمُه الخلافَ في أمرٍ هو لا يُخالِفُ فيه، أن يُعيد كلامَ الخصْمِ على وجه، ويجيءَ به على هيئتِه ويَحْكيه كما هو. فإِذا قلتَ للرجلِ: "أنتَ مِنْ شأنِكَ كيتَ وكيتَ"، قال: "نَعَمْ، أنا مَنْ شأني كيتَ وكيتَ، ولكنْ لا ضَيْرَ عَلَيَّ، ولا يلزَمُني مِنْ أجْلِ ذلك ما ظنَنْتُ أنه يلزَمُ" فالرُّسُلُ صلواتُ اللهُ عليهم كأنهم قالوا: "إنَّ ما قُلْتُم مِنْ أَنَّا بشرٌ مثلُكم كما قلتم، لَسْنا نُنْكِر ذلك ولا نَجْهَلُه، ولكنَّ ذلك لا يَمْنعُنا مِنْ أن يكونَ اللهُ تعالى قَدْ منَّ علينا وأكْرَمنا بالرسالة.

وأمَّا قولُه تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: ١١٠]، [فصلت: ٦]، فجاء "بإنما"، لأنَّه ابتداءُ كلام قد أمِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنْ يُبلِّغه إيَّاهُم ويقولَه معَهم، وليس هو جواباً لكلامٍ سابقٍ قد قِيلَ فيه: "إنْ أنْتَ إلاَّ بشرٌ مثلُنا"، فيجبُ أنْ يُؤْتى به على وفْقِ ذلك الكلامِ، ويُراعَى فيه حَذْوُه، كما كانَ ذلك في الآيةِ الأولى.

٣٩٤ - وجملةُ الأمرِ أنك متى رأيتَ شيئاً هُوَ مِن المَعْلوم الذي لا يُشَكُّ