للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"لا عمرو"، كنتَ قد طلبتَ أن تنفيَ "بلا" العاطفةِ شيئاً قد تقدَّمْتَ فنفيتَه، وذلك، كما عرَّفْتُكَ، خروجٌ بها عن المعنى الذي وُضِعَتْ له إلى خلافه.

بيان آخر في معنى "إنما" في الجملة، في "ما" و"إلا"، وأن حكم "غير" حكم "إلا":

٤١٢ - فإِنْ قيلَ: فإِنَّك إِذا قلتَ: "إِنما جاءني زيد"، فقد نفَيْتَ فيه أيضاً أن يكونَ المجيءُ قد كانَ من غيرهِ، فكانَ ينبغي أن لا يجوزَ فيه أيضاً أن تعطِفَ بلا فتقول: "إنما جاءني زيد لا عمرو".

قيل: إنَّ الذي قلْتَه من أنك إِذا قلتَ: "إِنما جاءني زيد" فقد نفَيْتَ فيه أيضاً المجيءُ قد كانَ من غيرهِ، فكانَ ينبغي أن لا يجوزَ فيه أيضاً أن تعطِفَ بلا فتقول: "إنما جاءني زيد لا عمرو".

قيل: إنَّ الذي قلْتَه من أنك إِذا قلتَ: "إِنما جاءني زيد" فقد نفَيْتَ فيه أيضاً المجيءَ عن غيرهِ غيرُ مُسلَّمٍ لك على حقيقته. وذلك أنه ليس معكط إلاَّ قولُكَ: "جاءني زيد"، وهو كلامٌ كما تَراه مُثْبَتٌ ليس فيه نَفْيٌ البتةَ، كما كانَ في قولِك: "ما جاءني إلاَّ زيدٌ"، وإِنما فيه أَنَّك وضعْتَ يدَك عَلَى "زيدٍ" فجعلتَه "الجائي"، وذلك وإِن أوجبَ انتفاءَ المجيء عن غيرِه، فليس يُوجِبُه مِن أجْل أنْ كان ذلك إعمالَ نفْي في شيءٍ، وإِنما أوجبَه من حيثُ كان "المجيءُ" الذي أخبرْتَ بهِ مَجيئاً مخصوصاً، إذ كانَ لزيدٍ لم يكنْ لغيره. والذي أَبَيْناهُ أن تنفي "بلا" العاطفةِ الفعلَ عن شيءٍ وقد نفَيْتَه عنه لفظاً.

٤١٣ - ونظيرُ هذا أنَّا نعْقِل من قولنا: "زيدٌ هو الجائي"، أنَّ هذا المجيءَ لم يَكنْ مِن غيرهِ، ثم لا يمنعُ ذلك مِن أن تجيءَ فيه "بلا" العاطفةِ فتقولَ: "زيدٌ هو الجائي لا عمرو"، لأنَّا لم نعقلْ ما عَقَلْناه من انتفاءِ المجيءِ عن غيرِه، بنَفْي أوقعناهُ على شيءٍ، ولكنْ بأنَّه لما كانَ المجيءُ المقصودُ مجيئاً واحداً، كان النصُّ على "زيدٍ" بأَنه فاعلُه وإثباته له، نفياً له من غيرِه، ولكنْ مِن طريقِ المعقولِ، لا من طريقِ أَنْ كانَ في الكلامِ نَفيٌ، كما كان ثَمَّ، فاعرفْه.