للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو وإنْ كانَ شيئاً قد استَحْكمَ في النفوسِ حتَّى إنك تَرى الخاصَّةَ فيه كالعامَّة، فإن الأمر بعد على خلافهِ. وذاك أنَّا إذا حقَّقْنا، لم نجدْ لفظَ "أسدٍ" قد استُعمِل على القطْع والبتِّ في غيرِ ما وُضِع له. ذاك لأنه لم يُجْعَل في معنى "شجاعٍ" على الإِطلاقِ، ولكنْ جُعِل الرجلُ بشجاعته أسداً، فالتجوُّزُ في أنِ ادَّعَيْتَ للرجل أنه في معنى الأسدِ١، وأنه كأنَّه هو في قوة قَلْبه وشدَّةِ بطْشِه، وفي أنَّ الخوفَ لا يخامِرُهُ، والذُّعْرَ لا يَعْرِضُ له. وهذا إن أنتَ حصَّلْتَ، تجوُّزٌ منك في معنى اللفظِ لا اللفظِ، وإنما يكونُ اللفظُ مُزالاً بالحقيقةِ عن موضِعِهِ، ومنقولاً عما وُضِعَ له. أنْ لو كنتَ تَجد عاقلاً يقول: "هو أسَد"، وهو لا يُضمِر في نفسِه تشبيهاً له بالأسدِ، ولا يُريد إلاَّ ما يريدُه إذا قال: "هو شجاعٌ". وذلك ما لا يُشَكُّ في بطلانه.

التجوز في ذكر "اللفظ"، وأنه المراد به "المعنى":

٤٣٨ - وليس العجبُ إلاَّ أنهم لا يَذْكُرون شيئاً من "المجازِ" إلاَّ قالوا: "إنَّه أبلغُ من الحقيقة". فليتَ شعري، إنْ كان لفظُ "أسد" قد نُقِل عما وُضِعَ له في اللغة، وأزيلَ عنه، وجُعِل يرادُ به "الشجاعُ" هكذا غُفْلاً ساذجاً، فمن أين يجبُ أنْ يكونَ قولنا: "أسد"، أبلغ من قولنا "شجاع"؟

إزالة شبهة في شأن "المجاز":

وهكذا الحُكْم في "الاستعارة"، هي، وإنْ كانت في ظاهرِ المعاملة من صفةِ "اللفظِ"، وكنَّا نقول: "هذه لفظة مستعارة" و "قد استُعِيرَ له اسمُ الأسد" فإنَّ مآلَ الأمرِ إلى أنَّ القصدَ بها إلى المعنى.


١ في "ج"، حاشية بخط كاتب النسخة هذا نصها:
"تجوزه أنه ادعى لما ليس بأسد أنه أسد".