للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أجلها يستحق اللفظ الوصف بأنه فصيح، تكونُ فيه دونَ معناهُ١، لكان ينبغي إِذا قلنا في اللفظةِ: "إِنها فصيحةٌ"، أن تكونَ تلك الفصاحة واجبة لها بكل حالي. ومعلومٌ أنَّ الأمْرَ بخلافِ ذلك، فإنَّا نَرى اللفظةَ تكونُ في غايةِ الفصاحةِ في موضعٍ، ونَراها بِعَيْنِها فيما لا يُحْصى من المواضِع وليس فيها مِن الفصاحةِ قليلٌ ولا كثيرٌ٢. وإِنما كان كذلك، لأنَّ المزيَّةَ التي مِنْ أجْلها نَصِفُ اللفظَ في شأننا هذا بأنه فصيحٌ، مزيةٌ تحدث من عبد أنْ لا تكونَ، وتظهرُ في الكَلِم من بَعْدِ أنْ يَدخُلَها النظْمُ. وهذا شيءٌ إِن أنتَ طلَبْتَه فيها وقد جئْتَ بها أفراداً لم تَرُمْ فيها نَظْماً، ولم تُحْدِث لها تأليفاً، طلبْتَ مُحالاً. وإِذا كان كذلك، وَجَبَ أن يعلم قطعًا وضورة أنَّ تلك المزيةَ في المعنى دونَ اللفظِ.

٤٧٤ - وعبارةٌ أُخرى في هذا بعينِه، وهي أن يُقال: قد علِمْنا عِلْماً لا تَعْترِضُ معَه شُبْهةٌ: أنَّ "الفصاحةَ" فيما نحنُ فيه، عبارةٌ عن مزيَّةٍ هي بالمتكلِّم دونَ واضِع اللغةِ. وغذا كان كذلك، فينبغي لنا أنْ ننظُرَ إِلى المتكلم، هل يستطيعُ أن يَزيد مِنْ عنْدِ نفْسِه في اللفظِ شيئاً ليس هو له في اللغة، حتى يَجعَلَ ذلك من صَنيعِه مزيةً يُعبَّر عنها بالفصاحة؟ وإِذا نظَرْنا وجَدْناه لا يستطيعُ أن يصْنَعَ باللفظِ شيئاً أصْلاً، ولا أن يحدث فيها وصفًا. كيف؟ وهو إن فعل.


١ الذي كان في المطبوعة: " ... التي من أجلها استحق اللفظ بأنه فصيحٌ، عائدةٌ في الحقيقةِ إِلى معناه، ولو قيل إِنها تكونُ فيه دونَ معناهُ، لكان ينبغي". أسقط ما بين الكلامين كما ترى، والذي أثبتناه هو الصواب المحض، كما هو في "ج" و "س" وفي نسخة بغداد التي أشار إليها رشيد رضا، ونقل نصها مطابقًا لما في مخطوطتينا.
٢ سها كاتب "ج" فأسقط بعض اللفظ فساق الكلام هكذا: "تكون في غاية الفصاحة قليل ولا كثير".