للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يُجوِّزَ وقوعَ فكْرٍ من الأعجميِّ الذي لا يعرِفُ معانيَ ألفاظِ العربية أصْلاً١، في الألفاظِ. وذلك مما لا يَخْفى مكانُ الشنعةِ والفضيحة فيه.

كشف وهم في مسألة ترتب الألفاظ في النفس، والسمع:

٤٩٢ - وشبيهٌ بهذا التوهُّم منهم، إنك قد تَرى أحدَهم يَعْتَبِر حالَ السامع، فإِذا رأى المعانيَ لا تترتب في نسه إلاَّ بترتُّب الألفاظِ في سمعه، ظنَّ عندَ ذلك أن المعاني تبع للألفاظ، وأن الترتيب يها مكتَسبٌ مِن الألفاظِ، ومن ترتُّبها في نُطْق المتكلِّم.

وهذا ظنٌّ فاسدٌ ممَّنْ يظنُّه، فإنَّ الاعتبارَ يَنبغي أن يكونَ بحالِ الواضعِ للكلامِ والمؤلِّف له، والواجِبُ أن يُنظرَ إِلى حالِ المعاني معه لا مَعَ السامِع، وإِذا نظَرْنا عَلمْنا ضرورةَ أنه محالٌ أنْ يكونَ الترتُّبُ فيها تِبعاً لترتُّب الألفاظِ ومكُتَسباً عنه، لأنَّ ذلك يقتضي أنْ تكونَ الألفاظُ سابقةً للمعاني، وأن تَقَع في نفْسِ الإِنسان أولاً، ثمَّ تقعُ المعاني مِنْ بَعْدها وتاليةً لها، بالعكْسِ ممَّا يَعْلَمُه كلُّ عاقلٍ إِذا هو لم يُؤخذ عن نَفْسه، ولم يُضْرَبْ حِجابٌ بينه وبينَ عَقْلِه. وليتَ شعري، هل كانتِ الألفاظُ إلاَّ مِن أجْل المعاني؟ وهل هي إلاَّ خَدمٌ لها، ومُصرَّفَةٌ على حكمها؟ أوَ ليستْ هي سمات لها، وأوضاعًا قد وضعت لتذل عليها؟ فكيفَ يُتصوَّرُ أن تَسْبِقَ المعانيَ وأن تتقَدَّمَها في تَصَوُّرِ النفسِ؟ إنْ جازَ ذلك، جازَ أن تكون أسامي الأشياءِ قد وُضِعَتْ قبْل أن عرفتْ الأشياء، وقيلَ أنْ كانتْ. وما أدري ما أقولُ في شيءٍ يجرُّ الذاهبينَ إليه إِلى أشباهِ هذا من فنونِ المحال، وردئ الأقوال٢.


١ السياق: "أن يجوز وقوع فكر من الأعجمي ... في الألفاظ".
٢ في المطبوعة: "وروئ الأحوال" وهو لا شيء.