للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو كان عدمه العلم بهذه العبارات١، بمنعه العلمَ بما وضعْناها له وأردناه بها لكانَ ينبغي أن لا تكون له سبيلٌ إلى بيانِ أَغراضِه، وأنْ لا يَفْصِلَ فيما يَتكلَّم به بين نفي وإثباتٍ، وبين "ما" إِذا كان استفهاماً، وبينَه إِذا كان بِمعنى "الذي"، وإِذا كان بمعنى المجازاة، لأنه لم يسمع عبارتنا في الفرْقِ بين هذه المعاني.

أَترى الأعرابيَّ حين سمِعَ المؤذِّن يقولُ: "أَشْهدُ أنَّ محمداً رسول الله" بالنصب، فاأنكر وقال: صنَعَ ماذا؟ أَنْكَر عن غَيْر علمٍ أن النصب يخرجه عن أن يكون خيرًا ويجعلُه والأوَّلَ في حكْم اسمٍ واحد، وأنه إِذا صارَ والأوَّلَ في حكْم اسمٍ واحدٍ، احتيجَ إِلى اسْمٍ آخر أو فعْلٍ، حتى يكونَ كلاماً، وحتى يكون قد ذَكَرَ ما لهُ فائدةٌ؟ إنْ كان لم يَعلَمْ ذلك، فلماذا قال: "صَنَع ماذا؟ "، فطلب ما يجعلُه خيرًا؟

بيان في رد شبهة المعتزلة:

٤٩٤ - ويكفيك أنه يلزم على ما قالوه أنت يكونَ امرؤ القيس حينَ قال:

قِفَا نَبْكِ من ذكرى حبيبٍ وَمنزلٍ

قاله وهو لا يَعْلم ما نعنيه بقولِنا: إنَّ "قفا" أمُرٌ، و "نَبكِ" جوابُ الأَمر، و "ذكرى" مضافٌ إلى "حبيب"، و "منزل" معطوفٌ على الحبيب وأنْ تكونَ هذه الألفاظُ قد ترتبت له من غيرِ قَصْدٍ منه إِلى هذه المعاني٢. وذلكَ يُوجِبُ أن يكونَ قال: "نبْكِ" بالجزم من غيرِ أن يكونَ عرَفَ معنىً يوجب الجزم وأني به مؤخراً عن "قفا"، من غير أن عرف لتأخيره موجبًا سوى طلب الوزن.


١ في المطبوعة، وفي نسخة عند "س": عدم العلم".
٢ في المطبوعة وحدها: "قد رتبت له".