للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومَنْ أفْضَتْ به الحالُ إِلى أمثالِ هذه الشناعاتِ، ثم لم يَرْتدِعْ، ولم يتبيَّنْ أنه على خَطأٍ، فليس إِلاّ ترْكُهُ والإعراضُ عنه.

٤٩٥ - ولولا أنا نحنب أن ينبس أحد في معنى السؤال والاعتراض بحروف إلاَّ أَريناه الذي استَهْواه، لكان تَرْكُ التشاغلُ بإيرادِ هذا وشبَههِ أَوْلى.

ذاك لأنَّا قد علِمْنا علْمَ ضرورةٍ أنَّا لو بَقينا الدهرَ الأطول تصعد ونُصوِّبُ١، ونبحثُ وننقّب، نبْتغي كلمةً قد اتصلتْ بصاحبةٍ لها، ولفظةٍ قد انتظمت مع أختها، من غير أن توخي فيما بينهما معنىً من معاني النحو٢، طَلبْنا ممتنعًا، وثنينا مطايا الفكر ظلمًا. فإن كان ههنا مَنْ يَشُكُّ في ذلك، ويزعُم أنه قد علِمَ لاتصالِ الكَلِم بعضِها ببعض، وانتظامِ الألفاظِ بعضِها مع بعضٍ، معانيَ غيرَ معاني النحو، فإنا نقول له: هاتِ، فبَيِّنْ لنا تلكَ المعاني، وأَرِنا مكانَها، واهْدِنا لَها، فلعلَّكَ قد أُوتيتَ عِلْماً قد حُجِبَ عنَّا، وفُتِحَ لك بابٌ قد أُغلقَ دوننا:

وذاكَ لَهُ إِذا العنقاءُ صارتْ ... مُرَبَّبَةً وَشَبَّ ابن الخصى٣


١ "الدهر" في المطبوعة و "س"، اما "ج" فكتب كلمة لم أحسن قراءتها.
٢ في المطبوعة وحدها: "نتوخى".
٣ الشعر لأبي تمام في ديوانه "العنقاء" طائر ضخم لا يكاد يرى إلا في الدهور، هكذا زعموا. ويعني بقوله: "مريبة"، أن يربيها الناس كما يربي الحمام، وهذا محال. وكذلك الحصى لا ولد له، فأتى يكون له ولد يشب!