للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأتي الطباعُ على النَّاقلِ

مزيةٌ على الذي يُعقَل من قولهم: "الطبع لا يتغير"، و "لا يَستطيعُ أنْ يُخرجَ الإنسانَ عما جُبِل عليه" وأن لا يرى لقول أبي نواس:

وليس الله بِمُسْتَنْكَرٍ ... أنْ يَجْمَع العالَمَ في واحدِ١

مزيةٌ على أنْ يُقال: "غيرُ بديع في قدرةِ اللهِ تَعالى أن يَجْمعَ فضائِلَ الخَلْقِ كلَّهم في رجُلٍ واحدٍ" ومَن أَدَّاهُ قولٌ يقوله إِلى مثل هذا، كان الكلامُ معه مُحالاً، وكنتَ إِذا كلَّفْتَه أَنْ يعرفَ، كَمَنْ يكلَّفُ أن يميز بحوز الشعرِ بعضِها من بعضٍ، فيَعْرفَ المديدَ من الطويلِ، والبسيطَ من السريع٢ مَنْ ليس له ذوقٌ يُقيمُ به الشِّعْرَ مِن أَصْلِه.

وإِنْ اعترفَ بأَنَّ ذلك يكون، قلنا له: أَخْبِرْنا عنكَ، أَتقولُ في قوله:

وتَأْبى الطباعُ على الناقلِ

إنَّهُ غايةٌ في الفصاحة؟ فإِذا قالَ: نعم. قيلَ له: أفكانَ كذلك عندكَ من أجْلِ حروفِه، أمْ من أجْلِ حُسْنٍ ومزيةٍ حَصَلا في المعنى؟ فإِن قال: مِنْ أَجْل حُروفه: دخلَ في الهذيان وإِنْ قال: من أجل حُسْنٍ ومزيّةٍ حصَلا في المعنى، قيل له: فذاكَ ما أَردْناكَ عليه حين قلْنا: إِن اللفظَ يكونُ فَصيحاً من أجْل مزيةٍ تقعُ في معناه، لا مِنْ أجْل جَرْسِه وصداه.

"التشبيه"، يكشف شبهة المعتزلة:

٥٠٠ - واعلمْ أنه ليس شيءٌ أبْيَن وأوْضَحَ وأَحْرى أن يكشف الشبهة


١ هو في ديوانه، وكتبه في المطبوعة هنا وفيما بعد: "ليس على الله بمستنكر".
٢ السياق: "كمن يكلف. من ليس له ذوق ... ".