للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن متأمِّلهِ في صحَّةِ ما قلناه١، مِن "التشبيهِ". فإنكَ تقولُ: "زيدٌ كالأسَدِ" أو "مثلَ الأسدِ" أَوْ "شبيهٌ بالأسدِ"، فتجدُ ذلكَ كلَّه تشبيهاً غُفْلاً ساذَجاً ثم تقولُ: "كأنَّ زيداً الأَسَدُ"، فيكونُ تشبيهاً أيضاً، إلاَّ أَنك تَرى بَيْنَه وبينَ الأولِ بَوْناً بعيداً، لأنك تَرى له صورةً خاصةً، وتَجِدُكَ قد فخَّمْتَ المعنى وزدْتَ فيه، بإنْ أفدْتَ أَنه مِن الشجاعةِ وشدةِ البطْشِ، وأَنَّ قلْبَه قلبٌ لا يُخامِرُه الذعْرُ ولا يَدخلُه الروْعُ، بحيثُ يتوهَّم أَنه الأَسَدُ بعينه ثم تقول: "لَئنْ لقِيتَهُ لَيَلْقَينَّكَ منه الأَسَدُ"، فتَجدُه قد أفادَ هذه المبالغةَ، لكنْ في صورةٍ أحْسَنَ، وصِفَةٍ أخَصَّ، وذلك أَنك تَجْعَلهُ في "كأن"، يتوهَّم أَنه الأسَدُ، وتَجعلُه ههنا يُرى منه الأسدُ على القطع، فيَخرُجُ الأَمرُ عن حدِّ التوهُّم إِلى حدِ اليقينِ ثم إِن نظرت إلى قوله:

أَإِن أُرعِشَتْ كفَّا أبيكَ وأصْبَحَتْ ... يداكَ يدَيْ لَيْثٍ فإنَّكَ غالِبُهْ٢

وجدَتهُ قد بَدا لكَ في صورةٍ أنقَ وأحْسَنَ ثم إِن نظرْتَ إلى قول أرطاة ابن سهية:

إن تلقني لا ترى غير بِنَاظرةٍ ... تنسَ السِّلاحَ وتعْرِفْ جبهةَ الأَسدِ٣

وجدْتَه قد فضَلَ الجميعَ، ورأيتَه قد أُخْرِجَ في صورة غير تلك الصور كلها.


١ السياق: "ليس شيء أبين وأوضح ... من التشبيه ... ".
٢ الشعر للفرزدق في ديوانه، وفي الأغاني ٢١: ٣٢٧، "الهيئة"، وروايته: "فإنك جاذبه".
٣ مطلع شعر له في الأغاني، وقد مضى رقم: ٢٣٥.