للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شبهة المعتزلة في قولهم "اللفظ" واستدلالهم بأن تفسير الشعر يجب أن يكون كالمفسر. ورد الشبهة:

٥٠١ - واعلمْ أَنَّ من الباطلِ والمُحالِ ما يَعْلمُ الإنسانُ بُطلانَه واستحالتَه بالرجوعِ إِلى النفْس حتى لا يَشُكّ. ثم إِنه إِذا أرادَ بيانَ ما يجِدُ في نفْسِه والدلالةِ عليه، رأَى المَسْلكَ إِليه يَغْمُضُ ويَدِقُّ. وهذه الشبهةُ أعني قولَهم: "إِنه لو كان يجُوزُ أنْ يكونَ الأمرُ على خلافِ ما قالوه مِن أَنَّ الفصاحةَ وصْفٌ لِلَّفظِ مِنْ حيثُ هو لفظٌ، لكانَ يَنْبغي أنْ لا يكونَ للبيتِ من الشعرِ فضْلٌ على تَفسير المفسِّر"١، إِلى آخره٢ من ذاك. وقد علقتْ لذلك بالنفوس وقَويتْ فيها، حتى إنَّكَ لا تلقى إِلى أَحدٍ من المتعلِّقين بأمرِ "اللفظ" كلمةً مما نحنُ فيه، إلاَّ كان هذا أوَّلَ كلامهِ، وإِلاَّ عَجِبَ وقال: "إِنَّ التفسيرَ بيانٌ للمفسَّر، فلا يجوز أنْ يبَقى مِنْ معنى المفسَّر شيءٌ لا يؤدِّيه التفسيرُ، ولا يأتي عليه، لأنَّ في تجويزِ ذلك القولِ بالمُحالِ، وهو أن لا يزالَ يَبْقى مِن معنى المفسَّرِ شيءٌ لا يَكونُ إِلى العلم به سبيلٌ. وإِذا كان الأمرُ كذلك. ثبَتَ أنَّ الصحيحَ ما قلْناه، من أنه لا يجوزُ أن يكونَ لِلَّفظِ المفسَّر فضْلٌ من حيثُ المعنى على لفظِ التفسير. وإذا لم يجز أن يكونه الفضلُ من حيثُ المعنى، لم يَبْقَ إلاَّ أنْ يكونَ من حيثُ اللفَظُ نفسُه".

فهذا جملةُ ما يمكِنهُم أنْ يقولوه في نُصْرة هذه الشبهةِ، قد استقصيْتُه لكَ. وإِذ قد عرفْتَه فاسمَعِ الجوابَ. وإِلى اللهِ تعالى الرغبةُ في التوفيق للصواب.

٥٠٢ - إعلمْ أنَّ قولَهم: "إنَّ التفسيرَ يجبُ أنْ يكونَ كالمفسَّر"، دعوى لا تَصِحُّ لَهم إلاَّ مِن بعْدِ أنْ يُنْكِروا الذي بيَّناه، مِنْ أنَّ مِن شأْن المعاني أن تختلف.


١ انظر قولهم فيما سلف: رقم: ٤٩٦.
٢ السياق: وهذه الشبهة ... من ذاك".