للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إنْ لم يُريدوا أَنْ يُخرجُوه عن جنسِه جملةً قالوا: "هو أسَدٌ في صورةِ إنسان" و "هو ملَكٌ في صورةِ آدميٍّ" وقد خرَجَ هذا للمتنبي في أحْسَنِ عبارةٍ، وذلك في قوله:

نحنُ ركبٌ مِلْجِنّ في زِيّ ناسٍ ... فَوْقَ طَيْرٍ لها شُخُوصُ الجِمَالِ١

٥١٠ - ففي هذه الجملة بيانٌ لمن عَقَل أنْ ليستِ "الاستعارةُ" نْقْلَ اسْم عن شيءٍ إِلى شيءٍ، ولكنَّها ادِّعاءُ معنى الاسْمِ لشيءٍ، إِذ لو كانتْ نَقْلَ اسْمٍ وكان قولُنا: "رأيتُ أسداً"، بمعنى: رأيتُ شبيهاً بالأسد، ولم يكن ادِّعاءَ أَنه أسدٌ بالحقيقة لكانَ مُحالاً أنْ يُقال: "ليس هو بإنسانٍ، ولكنَّه أسدٌ" أو "هو أسدٌ في صورةِ إِنسان"، كما أنه محالٌ أن يقالَ: "ليس هو بإنسانٍ، ولكنَّه شبيهٌ بأَسد" أو يقالَ: "هو شَبيهٌ بأسَدٍ في صورة إِنسان".

٥١١ - واعلمْ أَنه قد كثُرَ في كلامِ الناسِ استعمالُ لفظِ "النَّقْلِ" في "الاستعارة"، فمِنْ ذلك قولُهم: "إنَّ الاستعارةَ تعْليقُ العبارةِ على غير ما وُضِعَت له في أصْل اللغةِ على سبيل النَّقْل"٢: وقال القاضي أبو الحسن٣: "الاستعارةُ ما اكتُفيَ فيه بالاسْمِ المُستعار عن الأصليِّ، ونُقِلت العبارة فجعلت في مكان غيرها"٤.


١ هو في ديوانه: "ملجن"، الأجود أن تكتب "م الجن"، أي "من الجن"، وهو حذف في الحرف مشهور.
٢ هذا هو نص لفظ الزماني في كتابه "النكت" في إعجاز القرآن"، ثلاث رسائل في إعجاز القرآن": ٧٩.
٣ هو القاضي الجرجاني، "أبو الحسن علي بن عبد العزيز"، صاحب "كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه".
٤ هو نص كلام القاضي الجرجاني في الوساطة: ٤٠ "طبعة صيدا"، وتما كلامه هو: "وملاكها: تقريب الشبه، ومناسبة المستعار له للمستعار منه، وامتزاج اللفظ بالمعنى حتى لا يوجد بينهما منافرة، ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر".
وانظر ما سيأتي رقم: ٥١٤.