إِنَاثًا} [الزخرف: ١٩]، فقد تَرى في التفسيرِ أنَّ "جعلَ" يكون بمعنى "سمَّى"، وعلى ذاك فلا شبْهةَ في أنْ ليس المعنى على مجرَّدِ التسمية، ولكنْ على الحقيقة التي وصفْتُها لكَ. وذاكَ أنَّهم اثْبَتوا للملائكةِ صفةَ الإناثِ واعتقدوا وُجودَها فيهم، وعن هذا الاعتقادِ صدرَ عنهم ما صدَر من الاسْم أعني إطلاقَ اسْمِ "البنات" وليس المعنى أنهم وضعوا لها لفظَ "الإناثِ" ولفظَ "البناتِ"، من غير اعتقادِ معنى وإثباتِ صفةٍ. هذا محالٌ.
٥١٧ - أوَ لا تَرى إلى قولهِ تعالى:{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلون}[الزخرف: ١٩]، فلو كانوا لم يَزيدوا على إجراءِ الاسْمِ على الملائكة، ولم يَعتِقدوا إثباتَ صفةٍ لما قال الله تعالى:{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}. هذا ولو كانوا لم يَقْصِدوا إثباتَ صفةٍ، ولم يكنْ غيرَ أن وَضَعوا اسْماً لا يُريدونَ به معنىً، لَمَا استحقُّوا إلاَّ اليسيرَ من الذَّم، ولما كان هذا القولُ منهم كُفْراً. والتفسيرُ الصحيحُ والعبارةُ المستقيمةُ، ما قاله أبو إسحاقٍ الزجَّاج رحِمَه الله، فإِنه قال: إن "الجعلَ" ههنا في معغنى القَوْلِ والحُكْمِ على الشيء، تقول:"قد جَعَلْتُ زيداً أعلمَ الناسِ"، أي وصفْتَه بذلك وحكمْتَ به١.
تعرف "الاستعارة" من طريق المعقول دون اللفظ، وكذلك "الكناية":
٥١٨ - ونَرجع إلى الغرَض فنقولُ: فإِذا ثَبَتَ أنْ ليستِ "الاستعارةُ" نَقْلَ الاسْمِ، ولكنْ ادعاءَ معنى الاسْم وكنَّا إذا عقَلْنا من قولِ الرجُلِ:"رأيتُ أسداً"، أنه أرادَ به المبالَغَةَ في وصْفِه بالشجاعة، وأنْ يقولَ: إنَّه مِنْ قُوَّةِ القلب، ومن فَرْط البَسالةِ وشدَّة البطْشِ، وفي أنَّ الخوفَ لا يخامِرُهُ، والذُّعْرَ لا يَعْرِضُ