للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شأنِ هذهِ الأجناسِ أن تُكْسِبَ المعانيَ مزيةً وفضلًا، وتوجب لها شرفًا ونبلًا، وأن تفحمها في نفوس السامعين"١ فإنهم لا يَعْنون أنفُسَ المعاني، كالتي يَقصِد المتكلِّمُ بخَبره إليها، كالقِرى والشجاعةِ والتردُّدِ في الرأي، وإنما يَعْنون إثْباتَها لما تُثْبَتُ له ويخبر بها عنه. فغّا جَعلوا للكنايةِ مزيةً على التَّصريحِ، لم يَجْعلوا تلكَ المزيةَ في المعنى المكنَّى عنه، ولكنْ في إثباته للذي يثبت له، وذلك أنَّا نَعْلَم أنَّ المعاني التي يُقْصَدُ الخَبرُ بها لا تتَغيَّر في أنفسِها بأن يُكنَّى عنها بمعانٍ سواها، ويُتْرَك أن تذكر بالألفاظ التي هي لها في اللغة. ومَنْ هذا الذي يَشُكُّ أنَّ معنى طولِ القامة وكثرةِ القِرى لا يتغيَّران بأن يُكنَّى عنهما بطولِ النجاد وكثرة رماد القدر، وتقدير التغير فيهما يُؤدي إلى أنْ لا تكونَ الكنايةُ عنهما، ولكنْ عن غيرِهما؟ ٢.

٥٢٩ - وقد ذكرتُ هذا في صدْرِ الكتاب٣، وذكرتُ أنَّ السببَ في أنْ كان يكون للإِثبات إذا كان من طريقِ "الكنايةِ" مزيَّة لا تكونُ إذا كان من طريقِ التصريح٤، أنك إذا كنَّيْتَ عن كثرةِ القِرى بكثرةِ رمادِ القدر، كنتَ قد أثبتَّ كثرةَ القِرى بإِثباتِ شاهدِها ودليلِها، وما هو علم على وجودها، وذلك


١ السياق: "وأنك إذا سمعتهم يقولون ... فإنهم لا يعنون".
٢ في هامش "ج"، بخطه كاتبها ما سأحاول أن أقرأه، لجور التصوير على الهامش، وهذا نصه:
"إنما يكون الكلام كناية، إذا كان [دليلًا على] معنى له لفظ في اللغة موضوع [فلا يدل بهذا] اللفظ عليه، ولكن يدل بمعنى لفظ آخر عليه".
هكذا قرأته على الجور الذي أدركه، فإن أحسنت فبحمد الله، وإبلا فإني استغفره واتوب إليه.
٣ مضى في أول الكتاب من الفقرات رقم: ٦٣ - ٦٦.
٤ السياق: " ... أن السبب في أن يكون للإثبات .... مزية .... أنك إذا كنيت".