للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا مَحالةَ يكون أبلغَ من إثباتِها بنفسِها، وذلك لأَنه يكونُ سبيلُها حينئذٍ سبيلَ الدعوى تكونْ مع شاهدٍ.

وذكرتُ أنَّ السببَ في أَنْ كانت "الاستعارةُ" أبلغَ من الحقيقةِ١، أنك إذا ادَّعيْتَ للرجُل أنه أسدٌ بالحقيقة، كان ذلك ,اشد في تسويته بالأسد في الشجاعة. ذاك لأنه محال أن يكون منَ الأُسود، ثم لا تكونُ له شجاعةُ الأُسودِ. وكذلك الحكْمُ في "التمثيل" فإِذا قلتَ: "أراكَ تُقدَّم رجْلاً وتؤخِّر أخرى"، كان أبلغَ في إثباتِ الترددِ له من أن تقول: "أنتَ كمن يقَدِّم رجلا ويؤخِّر أخرى".

٥٣٠ - واعلمْ أنه قد يَهْجُسُ في نفسِ الإِنسان شيءٌ يظنُّ مِن أجْله أنه يَنبغي أنْ يكونَ الحُكْمُ في المزيَّة التي تحدُثُ بالاستعارةِ، أنها تَحْدُثُ في المُثْبَت دون الإثباتِ. وذلك أن تقول: إنَّا إِذا نظَرْنا إلى "الاستعارةِ" وجدناها إنما كانت أبلغَ من أجلِ أنها تدلُّ على قوَّةِ الشَّبه، وأنه قد تَناهَى إلى أنْ صارَ المشبَّه لا يتميَّزُ عن المشبَّهِ بهِ في المعنى الذي من أجلهِ شُبِّهَ به. وإذا كان كذلكَ، كانت المزيةُ الحادِثةُ بها حادثةً في الشَّبه. وإِذا كانتْ حادِثَةً في الشَبَه، كانت في المُثْبَت دونَ الإثباتِ.

والجوابُ عن ذلك أنْ يقالَ: إن الاستعارةَ، لعَمْري، تقْتضي قوَّةَ الشَبهِ، وكونَه بحيثُ لا يَتميزُ المشبَّهُ عن المشبَّه به، ولكنْ ليس ذاك سببَ المزيةِ، وذلك لأنه لو كان ذاك سببَ المزيةِ، لكان ينبغي إذا جئت به صريحًا.


١ هي في أول الكتاب رقم: ٧٥ - ٧٠.