للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥٤٦ - ومن اللطيفِ النادِرِ في ذلَك، ما تراهُ في آخِرِ هذه الأبياتِ، وهي للحَكَم بْنِ قنبر:

ولَوْلا اعْتِصامي بالمُنَى كلَّما بَدا ... ليَ اليأسُ منها، لم يَقُمْ بالهَوى صَبْري

ولَوْلا انْتِظاري كل يوم جدي غدٍ، ... لراحَ بِنَعْشِي الدّافِنونَ إلى قَبْري

وقَدْ رايني وَهْنُ المُنى وانِقباضُها ... وبَسْطُ جديدِ اليأسِ كَفَّيْهِ في صدْري

ليس المعنى على أَنه استعارَ لفظَ "الكفينِ" لشيءٍ، ولكنْ على أنه أرادَ أنْ يَصِفَ اليأسَ بأنَّه قد غلَب على نفسِه، وتمكَّن في صدْرِه، ولمَّا أرادَ ذلك وصفه بما يصفون فيه الرجل بفضل القدرة على الشيء١، وبأنه ممكن منه، وأن يَفْعلُ فيه كلَّ ما يريدُ٢، كقولهم: "قد بَسطَ يديهِ في المال يُنفِقُه ويصنَعُ فيه ما يشاء"، و "قد بَسطَ العامِلُ يدَه في الناحية وفي ظُلْم الناس"، فليس لك إلا أن تقول: "إنما لما أراد ذلك، جعل الليأس "كفَّيْنِ"، واستعارَهما له، فأَمَّا أَنْ تُوقِعَ الاستعارةَ فيه على "اللفظ"، فما لا تخفى استحالتهُ على عاقل٣.

"المجاز"، كالاستعارة، إلا أنه أعم:

٥٤٧ - والقولُ في "المجازِ" هو القولُ في "الاستعارة"، لأنه ليس هو بشيء غيرها، وغنما الفَرْقُ أَنَّ "المجازَ" أعمُّ من حيثُ إنَّ كلَّ استعارةِ مجازٌ، وليس كلُّ مجازٍ استعارةً.

وإذا نظرنا من "المجاز" يما لا يطلق عليه أن "استعارة" ازداد خطأ القوم


١ في المطبوعة "يصفون به"، وفي نسخة عند رشيد رضا "فيه" أيضًا.
٢ في المطبوعة: "متمكن عنه وأنه يفعل"، وفي "س": "ومن أن يفعل".
٣ في المطبوعة: "فمما".