للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَلَف، وأخِرُ عن أول، إلا لأنَّ له أصْلاً صحيحاً، وأنه أُخذَ من معْدِن صدقٍ، واشتُقَّ من نَبْعةٍ كريمةٍ، وأَنه لو كان مَدْخولاً لظَهَر الدَّخَلُ الذي فيه على تقادُم الزمان وكرورِ الأيام. وكمْ من خَطإٍ ظاهرٍ ورأْيٍ فاسدٍ حظيَ بهذا السبَبِ عندَ الناس، حتى بَوَّأُوه في أَخَصِّ موضعٍ من قلوبهم، ومنحوه المحبَّة الصادقةَ من نفوسهم، وعطفوا عليه عطْفَ الأُمِّ على واحدِها. وكم من داءٍ دَويٍّ قد استحْكَم بهذه العِلَّة، حتى أعْيَا علاجُه، وحتى بَعِلَ به الطبيبُ١.

ولَوْلاَ سلطانُ هذا الذي وصفتُ على الناس، وأَنَّ له أخذه تمنع القلوب على التدبر٢، وتقطع عنها ذواعي التفكُّر لمَا كان لهذا الذي ذَهَب إليه القومُ في أمرِ "اللفظِ" هذا التمكُّنُ وهذه القوَّةُ، ولا كان يَرْسُخُ في النفوسِ هذا الرسوخ، وتنشعب عروقه هذا الشعب٣، مع الذي بانَ مِن تهافُتهِ وسقُوطهِ٤ وفُحْشِ الغلط يه، وأنَّكَ لا تَرى في أَديمهِ مِنْ أَين نظَرْتَ، وكيفَ صرَّفْتَ وقلَّبْتَ مَصَحّاً٥، وَلا تَراه باطِلاً فيه شَوْبٌ من الحقِّ، وزَيفاً فيه


١ في هامش "ج": "بعل" أي تحبر"، وأزيد: وبرم به ولم يدر كيف يصنع فيه.
٢ "الأخذة" أصلها ضرب من التمائم، نوخذا المرأة به زوجها عن السناء غيرها، وهو من السحر.
٣ في المطبوعة: وتشعب عروفه هذا التشعب"، وهي جيدة. و "الشعب"، و "التشعب"، التفرق.
٤ أسقط كاتب "س" كلامًا، فكتب: "لما كانلهذا الذي ذَهَب إليه القومُ في أمرِ اللفظِ على تهافته وسقوطه" ثم كتب ما أسقطه هنا بعد قوله فيما سيأتي بعد أسطر، أي بعد قوله: "والغيظ صرفًا"، وهو سهور شديد.
٥ السياق: "لا ترى في أديمه ... مصحًا"، و "الأديم" بشرة الجلد وظاهره، يريد لا ترى فيه موضعا صحيحًا لم يتخرق.