للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥٧٥ - فانظُرِ الآنَ نظرَ مَنْ نَفَى الغفْلةَ عن نفسِه، فإنكَ ترَى عِياناً أنَّ لِلْمعنى في كل واجد من البيتِ الآخَر وأنَّ العلماءَ لم يُريدوا حيثُ قالوا: "إنَّ المعنى في هذا هو المعنى في ذاك"، أن الذي يعقل من هذا لا يخالف الذي يعقل مِن ذاك وأنَّ المعنى عائدٌ عليكَ في البيتِ الثاني على هيئَتهِ وصِفَتهِ التي كانَ عليها في البيتِ الأول وأنْ لا فرْقَ ولا فصل ولا تباني بوجهٍ من الوجوه وإنَّ حكْم البيتينِ مثَلاً حكْمُ الاسمينِ قد وُضِعا في اللغة لشيءٍ واحدٍ، كالليثِ والأَسد١ ولكنْ قالوا ذلك على حَسَبِ ما يقولُه العُقَلاء في الشيئينِ يَجْمَعهما جنسٌ واحدٌ، ثم يفترقانِ بخواصَّ ومَزايا وصفاتٍ، كالخاتم والخاتَم، والشَّنْف والشَّنْف، والسِّوارِ والسوار، وسائرِ أصنافِ الحِلَى التي يَجْمعها جنسٌ واحدٌ، ثم يكونُ بينهما الاختلافُ الشديدُ في الصَّنْعة والعَمَل.

٥٧٦ - ومَنْ هذا الذي يَنظُر إِلى بيتِ الخارجِي وبيتِ أبي تمام٢، فلا يَعْلَمُ أنَّ صورةَ المعنى في ذلك غيرُ صورتِه في هذا؟ كيفَ، والخارجيُّ يقول:

"واحتجَّتْ له فَعْلاتُه"

ويقولُ أبو تمام:

إذن لَهجاني عنْه مَعْروفُه عندي

ومتى كان "احتجَّ" و "هجا" واحدًا في المعنى؟


١ السياق: "وأن العلماء لم يريدوا حيث قالوا ... ولكن قالوا ذلك".
٢ هو فيما سلف قريبًا ص: ٥٠١.