للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك الحكْمُ في جميع ما ذكرْناه، فليسَ يُتَصوَّرُ في نفسِ عاقلِ أنْ يكونَ قولُ البحتري:

وأَحَبُّ آفاقِ البلادِ إِلى الفَتى ... أرضٌ يَنالُ بها كَريمَ المَطْلَبِ

وقولُ المتنبي:

وكلُّ مكانٍ يُنبِتُ العزَّ طيِّبُ١

سواءً

٥٧٧ - واعلمْ أنَّ قولَنا "الصورةُ"، إِنما هو تمثيلٌ وقياسٌ لما نَعْلَمه بعقولنا على الذي نرَاه بأبصارنا، فلما رأَينْا البَيْنونة بين آحادِ الأجناسِ تكونُ مِنْ جِهةَ الصورةِ، فكان تبين إنسانٍ مِنْ أنسانٍ وفرَسٍ من فرسٍ٢، بخصوصيةٍ تكونُ في صورةِ هذا لا تكونُ في صورةِ ذاك، وكذلك كان الأمرُ في المصنوعاتِ، فكانَ تَبَيُّنُ خاتَمٍ من خاتمٍ وسِوَارٍ من سِوَارٍ بذلك، ثم وجَدْنا بينَ المعنى في أحد البيتين وبينه في الآخر بينونةً في عقولِنا وفَرْقاً٣، عَبَّرْنا عن ذلك الفرقِ وتلكَ البينونةِ بأَنْ قلْنا: "لِلمعنى فيِ هذا صورةٌ غيرُ صورتهِ في ذلك". وليس العبارة من ذلك بالصورةِ شيئاً نحن ابتدأناه فيُنْكِرَهُ مُنْكِرٌ، بل هو مُستعمَلُ مشهورٌ في كلام العلماءِ، ويكفيك قول الجاحظ: "وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير"٤.


١ هو فيما سلف قريبًا ص: ٤٩١.
٢ في المطبوعة: "بين إنسان"، وبعده بقليل "بين خاتم".
٣ السياق: "فلما رأينا البينونة .... عبرنا عن ذلك الفرق وتلك البينونة".
٤ سلف فيما مضى في الفقرة رقم: ٢٩٨، وفي المطبوعة: "صناعة".