وصنفوا فيها الكتب، ووكلوا بها الهم، وصرَفوا إِليها الخواطِرَ، حتى صارَ الكلامُ فيها نوعاً من العِلْم مفْرَداً، وصناعةً على حِدَة، ولم يَتَعاطَ أحَدٌ من الناس القولَ في الإعجازِ إلاَّ ذكَرَها وجعَلَها العُمُدَ والأركانَ فيما يوجب الفضل والمزية، وخصوصًا "الاستعارة" و "الإيجاز"١، فإِنكَ تَراهُمْ يجعلونَهُما عنوانَ ما يَذكُرونَ، وأولَ ما يُورِدون.
ومن "الإيجازِ" قولَه تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}[الأنفال: ٥٨]، وقولَه تعالى:{وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير}[فاطر: ١٤]، وقوله {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}[الأنفال: ٥٧]، وتراهم على لسانٍ واحدٍ في أنَّ "المجازَ" و "الإيجاز" من الأركانِ في أمْر الإِعجاز.
٦٠٨ - وإِذا كان الأمرُ كذلك عندَ كافَّةِ العلماءِ الذينَ تكلَّموا في المزيا التي للقُرآن، فَيَنْبغي أن يُنْظَر في أمْر الذي يُسَلَّمُ نفسَه إِلى الغرورِ، فَيزعُم أنَّ الوصوف الذي كانَ له القرآنُ مُعجزاً، هو سَلامةُ حروفه مما يثقل على اللسان،
١ في المطبوعة: "والمجاز"، ومثل الذي هنا في نسخة عند رشيد رضا. وهو الصواب، يدل عليه ما يأتي.