أيصِحُّ له القولُ بذلك إلاَّ مِنْ بَعْد أنْ يدَّعي الغَلطَ على العقلاءِ قاطبةً فيما قالوه، والخطأَ فيما أجْمعوا عليه؟ وإِذا نظَرْنا وجْدَناه لا يَصِحُّ له ذلك إلاَّ بأنْ يَقْتَحِمَ هذه الجهالةَ، اللهُمَّ إلاَّ أنْ يَخْرُجَ إِلى الضُّحْكَةِ فيزعمَ مَثلاً أنَّ من شأنِ "الاستعارة" و "الإيجاز" إِذا دَخلا الكَلامَ، أنْ يَحْدُثَ بهما في حروفه خفة، وتتجدد فيها سهولةٌ، ونسألُ اللهَ تعالى العِصْمَةَ والتوفيقَ.
٦٠٩ - واعلم أنا لا نأتي أَنْ تكونَ مذاقةُ الحروفِ وسلامتُها مما يَثْقُل على اللِّسانِ داخِلاً فيما يُوجِبُ الفضيلةَ، وأنْ تكونَ مما يُؤكِّدُ أمرَ الإِعجازِ، وإِنما الذي نُنْكِرُه ونُفَيِّلُ رأيَ مَنْ يَذْهَبُ إِليه١، أن يَجْعَلَه معجِزاً به وَحْدَه، ويَجعلَه الأصْلَ والعُمْدةَ، فيَخرجَ إلى ما ذكرنا من الشناعات.
بيان آخر في شأن "اللفظ"، وفساد القول به:
٦١٠ - ثم إنَّ العجَبَ كلَّ العجَبِ ممَّنْ يَجعَلُ كلَّ الفضيلةِ في شيءٍ هو إِذا انْفَرَد لم يَجِبْ به فضْلٌ البتَّةَ، ولم يَدْخُل في اعتداد بحال. وذاك أنه لا يَخْفى على عاقلٍ أنه لا يكونُ بسهولةِ الألفاظِ وسلامَتِها مما يثْقُل على اللسان، اعتداد، حتى يكون قد ألف منهنا كلامٌ، ثم كان ذلك الكلامُ صحيحاً في نَظْمه والغرضِ الذي أُريدَ به، وأنه لو عَمد عامدٌ إِلى ألفاظٍ فجَمعها مِن غيرَ أن يُراعيَ فيها معنىً، ويُؤلِّف منها كلاماً، لم تَرَ عاقلاً يعتدُّ السهولةَ فيها فضيلةً، لأنَّ الألفاظَ لا تُرادُ لأنفسِها، وإِنما تُرادُ لتُجعَلَ أدلَّةَ على المعاني. فإِذا عَدِمَتِ الذي لهُ تُرادُ، أو اختَلَّ أمرُها فيه، لم يعتد بالوصاف التي تكون في أنفُسها عليها، وكانتِ السهولةُ وغير السهولة فيها واحدًا.