للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ههنا رأيتُ العلماءَ يذمُّون مَنْ يحمِلُه تطلُّبُ السَّجَعِ والتجنيس على أن يضيم لها المعنى١، ويدخل الخلل عليه من أجلها، وعلى أَنْ يتعسَّف في الاستعارةِ بسَبَبهما، ويَرْكَبَ الوعورةَ، ويسلُكُ المسالِكَ المجهولةَ، كالذي صنَع أبو تمام في قوله:

سيف الإمام الذي سمته هييته ... لمَّا تَخَرَّم أهلَ الأرضِ مخْترِما

قَرَّت بِقُرَّانَ عينُ الدينِ وانتشرتْ ... بالأشترينِ عيونُ الشِّرْكِ فاصطُلِما٢

وقوله:

ذهبَتْ بمَذْهَبهِ السماحةُ والْتَوَتْ ... فيه الظنونُ أمَذهَبُ أم مُذْهَبُ٣

ويَصْنعه المتكلفونَ في الأسجاعِ. وذلك أنه لا يُتصوَّر أن يَجِبَ بهما، ومِنْ حيثُ هما، فضلٌ، ويقعَ بهما مع الخُلوِّ منَ المعنى اعتدادٌ. وإِذا نظرتَ إِلى تجنيسِ أبي تمام: "أمَذهَبٌ أم مُذهَبُ" فاستضعفتَه، وإِلى تجنيس القائل:

حتَّى نجا من خَوفِهِ وما نَجا٤

وقولِ المحدث:

ناظراها فيما جَنَى ناظِراهُ ... أو دَعَاني أمُتْ بما أودعاني٥


١ في المطبوعة: "بضم"، وفسرها تفسير من لا ينظر. و "يضيم" بظلمه ويبخسه.
٢ في ديوانه. و "تخرم"، استأصل.
٣ في ديوانه.
٤ البيت في أسرار البلاغة: ٧٠، وهو في البيان والتبيين ١: ١٥٠/ ٣: ٧٢، والحيوان ٣: ٧٥، وروى: "من شخصه" و "من جوفه" وقال: "ومن الإيجاز المحذوف قول الراجز، ووصف سهمه حين رمى غيرًا، كيف نفذ سهمه، وكيف صرعه"، وهكذا الكلام عندي من أوهام الجاحظ، وإنما الصواب: "من خوفه" بالخاء المعجمة من فوق، , "نجا" الأولى من "النجو" وهو ما يخرج من البطن من الغائط، يريد أنه من خوفه أحدث، ثم لم نج. أما الذي قاله الجاحظ، فهو لا شيء.
٥ خرجه في أسرار البلاغة، وهو لشمسويه البصري، وينسب لغيره فراجعه هناك.