للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنكَ السأمَ، وأَرْيحيةً يخفُّ معها عليك تعبُ الفِكْر وكدُّ النظر، واللهُ تعالى وليُّ توفيقك وتوفيقنا بمنّهِ وفضلهِ. ونبدأ فنقول:

٦١٤ - فإِذا ثبتَ الآن أنْ لا شَكَّ ولا مِرْيَةَ في أنْ ليسَ "النظمُ" شيئاً غيرَ توخِّي معاني النحو وأحكامه فيما بين معاني الكلم، ثبتَ من ذلك أنَّ طالبَ دليلِ الإِعجازِ مِنْ نَظْمِ القرآنِ، إِذا هو لم يطلبْهُ في معاني النحو وأحكامه ووجوه وفروقِه، ولم يَعْلمْ أنها مَعْدنِه ومَعانُه١، وموضعه ومكانُه، وأنه لا مُستنبَط له سِواها، وأنْ لا وجْهَ لطلبهِ فيما عداها٢، غارٌّ نفْسَه بالكاذِب من الطَمَع، ومُسْلمٌ لها إِلى الخُدَع، وأنهُ إِنْ أبى أن يكونَ فيها، كان قد أبى أنْ يكون القرآنُ معجزاً بنظمه، ولزمه أن يُثبت شيئاً آخر يكون معجزًابه، وأنْ يلحقَ بأصحابِ "الصَّرفة" فيدفعَ الإِعجازَ من أصلِه٣، وهذا تقريرٌ لا يدفعه إِلا مُعانِدٌ يَعُدّ الرجوعَ عن باطلٍ قد اعتقدَه عجزاً، والثَّباتَ عليه مِنْ بَعْدِ لزوم الحجَّةِ جلداً٤، ومن وضعه نفسَه في هذه المنزلةِ، كان قد باعَدَها من الإِنسانية. ونسألُ الله تَعالى العصمةَ والتوفيقَ.

"الخبر"، أصل في معاني الكلام، في النفي والإثبات:

٦١٥ - وهذه أصولٌ يحتاجُ إِلى معرفَتِها قبل الذي عمدنا له.

اعلمْ أن معاني الكلام كلَّها معانٍ لا تتصور إلا فيما بين شيئين، والأصل


١ "المعان" المباءة والمنزل، ويعد بعضهم ميمه أصلية، وبعضهم أنه على وزن "مفعل".
٢ السياق: "أن طالب دليل الإعجاز إذا هو لم يطلبه ولم يعلم أنها معدنه غار نفسه"، فهو خير "أن".
٣ "أصحاب الصرفة"، هم المعتزلة.
٤ "جلدًا"، ساقطة من "ج"، و "الجلد"، القوة والشدة.