للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأولُ هو "الخبر". وإِذا أحكمتَ العلم بهذا المعنى فيه، عرفتَه في الجميع. ومن الثابتِ في العقولِ والقائمِ في النفوسِ، أنه لا يكونُ خبرٌ حتى يكونَ مخبَرٌ به وَمُخبرٌ عنه، لأنه، ينقسم إلى "إثبات" و "نفي". و "الإثبات"، يقتضي مثبتًا ومثبتًاله، و "النفي" يقتضي مَنفياً ومنفياً عنه. فلو حاولتَ أنْ تتصور إثبات معنى أو نَفْيُهُ مِنْ دون أن يكونَ هناكَ مُثبتٌ له ومنفيٌّ عنه، حاولتَ ما لا يَصِحُّ في عَقْلِ، ولا يقعُ في وهم. ومن أجل ذلك امتنع أنت يكون لك قصد إلى فعل من غير أن تريد إسناده إلى شيء مظهر او مقدر١، وكان لفظُكَ به، إِذا أنتَ لم تُرِدْ ذلك، وصوتًا توصته سواء٢.

٦١٦ - وإِن أُردتَ أن تستحكم معرفةُ ذلكَ في نفسك، فانظرإليك إذا قبل لك: "ما فعلَ زيدٌ؟ " فقلتَ: "خرجَ"، هَلْ يتصوَّرُ أن يقعَ في خَلَدِك من "خرج" معنى من دون أن ينوي فيه ضميرَ "زيد"؟ وهل تكونُ، إِن أنتَ زعمتَ أنك لم تنوِ ذلك، إِلا مُخْرِجاً نفسك إلى الهَذَيان؟

وكذلكِ فانظر إِذا قيلَ لك: "كيفَ زيدٌ؟ "، فقلتَ: "صالحٌ"، هل يكونُ لقولِكَ "صالح" أثرٌ في نفسِك، من دون أن تريدَ "هو صالح"؟ أم هل يَعْقِلُ السامعُ منه شيئاً إِن هو لم يعتقد ذلك؟ فإِنه مما لا يبقَى معه لعاقل شَكٌّ أن "الخبرَ" معنى لا يتصوَّر إِلا بين شيئينِ، يكونُ أَحدُهما مثْبَتاً، والآخَرُ مثبَتاً له، أو يكونُ أحدُهما منْفِيّاً، والآخَرُ منفيّاً عنه وأنه لا يُتصوَّر مثُبَتٌ من غَيْر مثبَتٍ له، ومنفي من دون منفي عنه.


١ في المطبوعة: "أو مقدر مضمر".
٢ في هامش "ج" بخطه ما نصه: "أي مع صوت". ثم انظر الفقرة التالية رقم: ٦٣٦ مكررة.