للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٦١٩ - واعلمْ أنك إِذا فتشتَ أصحابَ "اللفظِ" عما في نفوسهم، وجدتهم قد تهوهموا في "الخبر" أنه صِفَةٌ للفظ، وأن المعنى في كونِه إِثباتاً، أنه لفظ يدلُّ على وجود المعنى من الشيء أو فيه وفي كونه نفياً، أنه لفظ يدل على عدمه وانتفائه عن الشيء. وهو شيءٌ قد لَزمَهم، وسَرَى في عروقِهم، وامتزجَ بطباعِهم، حتى صارَ الظَنُّ بأكثرهم أن القولَ لا ينجعُ فيهم.

بطلان دعوى أصحاب "اللفظ" في توهمهم أن "الخبر" صفة "للفظ":

٦٢٠ - والدليلُ على بطلانِ ما اعتقدوه، أنه محالٌ أن يكون "اللفظُ" قد نُصِبَ دليلاً على شيءٍ، ثم لا يحْصُل منه العِلْمُ بذلك الشيء، إِذ لا معنى لكونِ الشيء دليلاً إِلا إِفادته، إِياكَ العلمَ بما هو دليلٌ عليه. وإِذا كان هذا كذلك، عُلِم منه أنْ ليسَ الأمرُ على ما قالوه، من أن المعنى في وصفنا "اللفظَ" بأنَّه خبرٌ، أنه قد وُضِعَ لأن يدلَّ على وجودِ المعنى أو عدمه، لنه لو كانَ كذلكَ، لكانَ ينبغي أن لا يقع في سامِعٍ شكٌّ في خبرٍ يَسْمَعُه، وأن لا تسمعَ الرجلَ يثبتُ وينفي إِلا علمتَ وجودَ ما أثبتَ وانتفاء ما نفى، وذلكَ مما لا يشك في بطلانه. فإذا لم يكنْ ذلك مما يُشَكُّ في بطلانِهِ، وَجَبَ أن يُعْلَمَ أنَّ مدلولَ "اللفظ" ليس هو وجودَ المعنى أو عدمَه، ولكنِ الحكمُ بوجود المعنى أو عَدمِه، وأن ذلك، أي الحكمُ بوجود المعنى أو عدمِه، حقيقةُ الخبر، إِلاّ أنه إِذا كان بوجودِ المعنى منَ الشيء أو فيه يسمى "إِثباتاً"، وإِذا كان بِعَدَم المعنى وانتفائهِ عن الشيء يسمَّى "نفياً".

ومن الدليل على فسادِ ما زعموه، أنه لوكان معنى "الإثبات"، الدلالةَ على وجود المعنى وإِعلامَه السامع أيضًا، وكان معنى طالنفي" الدلالة على عدمه وإِعلامَه السامعَ أيضاً، لكان ينبغي إِذا قال واحدٌ: "زيد عالم وقال أخر: "زيدٌ ليس بعالمٍ"، أن يكونَ قد دلَّ هذا على وجودِ العلم وهذا على عدمه، وإِذا قال الموحِّدُ: العالَمُ مُحْدَثٌ، وقال المُلْحِدُ: "هو قديمٌ"، أن يكونَ قد دَلَّ الموحِّدُ على حدوثِه، والملحِدُ على قِدَمِه، وذلك ما لا يقوله عاقل.