لا يتصوَّر أن تَفْتَقِرَ المعاني المدلولُ عليها بالجمل المؤلَّفة إلى دليلٍ يدُلُّ عليها زائدٍ على اللفظ. كيف؟ وقد أجمعَ العقلاءُ على أن العِلْمَ بمقاصِد الناس في محاوراتِهم علمُ ضرورةٍ، ومن ذَهَب مذهباً يقتضي أن لا يكونَ "الخبرُ" معنى في نفسِ المتكلِّمِ، ولكن يكونُ وصفاً للفظ من أجلِ دلالتِه على وجودِ المعنى من الشيءِ أو فيه، أو انتفاءِ وجودِه عنه، كان قد نقضَ منه الأصْلَ الذي قَدَّمناه، من حيثُ يكونُ قد جعلَ المعنى، المدلول عليه باللفظ، لا يعرفُ إِلا بدليلٍ سوى اللفظِ. ذاك لأنَّا لا نعرفُ وجودَ المعنى المُثْبَتِ وانتفاءَ المنفيِّ باللفظ، ولكنا نَعْلَمُه بدليلٍ يقومُ لنا زائدٍ على اللفظِ. وما منْ عاقلٍ إِلاّ وهو يعلمُ ببديهةِ النظر أن المعلومَ بغيرِ اللفظ، لا يكونُ مدلولَ اللفظ.
٦٢٢ - طريقة أخرى: الدلالةُ على الشيء هي لا محالة إِعلامُك السامعَ إِياه، وليس بدليلٍ ما أنتَ لا تعلمُ به مدلولاً عليه. وإِذا كان كذلك، وكان مما يُعْلم ببدائه المعقولِ أن الناسَ إِنما يكلِّم بعضُهم بعضاً ليعرفَ السامع غرض المتكلم ومقصوده، فينبغي أن يَنْظُرَ إِلى مقصودِ المُخْبر من خببره، ما هو؟ أهو أن يعلم السامع المخبر به والمخبر عنه، أم أن يعلمَه إثبات المعنى المخبرَ به للمخبَرِ عنه؟
فإِنْ قيلَ: إِن المقصودَ إِعلامُه السامعَ وجودَ المعنى من المخبر عنه، فإِذا قال:"ضربَ زيدٌ" كان مقصودُه أن يُعلمَ السامعَ وجودَ الضرب من زيدٍ، وليس الإثبات لا إِعلامَه السامعَ وجودَ المعنى.
قيل له: فالكافرُ إِذا أثبتَ مع الله، تعالى عما يقول الظالمون، إلهاً آخر،