للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إضافةِ "الماءِ" إلى "الكافِ"، دونَ أن يقالَ: "ابلعي ماءك"١، ثم أنْ أُتبعَ نداءُ الأرض وأمرُها بما هو من شأنها، نداءَ السماء وأمرَها كذلك، بما يَخصُّها، ثم أنْ قيل: و {وَغِيضَ الْمَاء}، فجاء الفعلُ على صيغة "فُعِل" الدالَّةِ على أنَّه لم يَغِضْ إلاَّ بأَمر آمرٍ وقُدرةِ قادرٍ، ثم تأكيدُ ذلك وتقريرُه بقولهِ تعالى: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ}، ثم ذكرُ ما هو فائدةُ هذه الأمور، وهو: {اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِي}، ثم إضمارُ "السفينةِ" قَبْل الذكْر، كما هو شرطُ الفخامةِ والدلالةِ على عِظَم الشأن، ثم مقابلة "قيل" في الخاتمة "بقيل" في الفاتحة؟ أَفَتَرى لِشيءٍ من هذه الخصائصِ التي تملوك بالإِعجازِ روعةً٢، وتحضُرُكَ عندَ تصورِها هيبةٌ تُحيطُ بالنفس من أقطارِها٣ تعلُّقاً باللفظ من حيثُ هو صوتٌ مسموعٌ وحروفٌ تَتوالى في النُّطق؟ أم كلُّ ذلك لما بينَ معاني الألفاظِ مِنَ الاتِّساقِ العجيب؟

فقد اتَّضحَ إذن اتَّضاحاً لا يَدَعُ لِلشكِ مجالاً، أنَّ الألفاظَ لا تتفاضَلُ من حيث هي ألفاظٌ مجرَّدة، ولا من حيثُ هي كلمٌ مفردةٌ، وأن الفضيلة وخلاقها، في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها٤، وما أشبهَ ذلك، مما لا تَعلُّقَ له بصريحِ اللفظ.

اللفظ الواحد يقع مقبولا، ومكروها:

٣٨ - وممَّا يَشهد لذلك أَنَّك تَرى الكلمةَ تروقُك وتُؤنسك في موضعٍ، ثم تَراها بعينِها تَثْقُلُ عليكَ وتُوحِشُك في موضعٍ آخرَ، كلفظِ "الأَخدع" في بيت الحماسة:


١ "دون أن يقال ابلعي" ساقط في "ج".
٢ في "ج": "تملؤك روعة"، وفي "س": "الإعجاز"، بلا باء.
٣ السياق: "افترى لشيء من هذه الخصائص ... تعلقًا".
٤ في المطبوعة: "وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها"، وهو غير جيد.