للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنْ أَخَذْنا بالأولِ، لزِمَنا أنْ نُقْصِر الفَضيلةَ عليه حتى لا يكونَ الإعجازُ إلاَّ به وفيه١، وفي ذلك ما لا يخفى من الشناغة، لأنه يُؤدِّي إلى أنْ لا يكونَ للمعاني التي ذكرُوها في حدودِ البلاغة: مِنْ وُضوح الدَّلالة، وصوابِ الإشارةِ، وتَصحيحِ الأقسام، وحُسْن الترتيبِ والنظام، والإبداع في طريقة وتوفية الحذف والتأكيد والتقديم والتأخير شروطها٢ مدخلٌ فيما له كان القرآنُ مُعْجزاً، حتى يدعي أنَّهُ لم يكن مُعْجزاً مِن حيثُ هو بليغٌ، ولا من حيثُ هو قولٌ فصْلٌ، وكلامٌ شريفُ النظم بديعُ التأليف، وذلك أنه لا تَعلُّقَ لشيءٍ من هذه المعاني بتلاؤمِ الحروف.

وإِنْ أخذنا بالثاني، وهو أن يكونَ تلاؤمُ الحروفِ وَجْهاً من وجوُهِ الفضيلةِ، وداخِلاً في عِداد ما يُفاضَلُ به بين كلامٍ وكلامٍ على الجُملة، لم يكن لهذا الخلافِ ضرر علينا، لأنه ليس باكثر أن نعمد إلى "الفصاحة" فتخرجها من حيَّز "البلاغةِ والبيانِ"، وأن تكونَ نظيرةً لها، وفي عداد ما هو شبههما من البراعية والجزالة وأشباه ذلك، ما يُنبئ عنْ شرفِ النظْمِ، وعنِ المزايا التي شرحتُ لك أَمْرَها، وأعملتك جنسها٣ أو نجعلها اسماً مُشتركاً يقَعُ تارة لِمَا تَقعُ له تلكَ، وأخرى لِما يَرْجع إلى سلامةِ اللّفظِ مما يُثْقِل على اللَّسان. وليس واحدٌ منَ الأمرين بقادح فيما نحن بصدده.


١ "وفيه"، ليست في المطبوعة.
٢ السياق " .... أن لا يكون للمعاني ..... مدخل".
٣ "أو نجعلها" معطوفة على قوله: "أن نعمد إلى الفصاحة"، والأفعال في هذا الجمل مبدؤه بالنون، أما في المطبوعة فهي مبدؤه بالياء، وهو غير مستقيم.