عليك أن تُوفِّقَ بين مَعاني تلكَ الأَلفاظِ المسجَّعة وبين مَعاني الفُصول التي جُعلتْ أردافاً لها، فلم تَسْتطعْ ذَلك إلاَّ بعد أن عَدلْتَ عن أسلوبٍ إلى أسلوبٍ، أوْ دخلْتَ في ضرْبٍ منَ المجازِ، أو أخذْتَ في نوعٍ منَ الاتِّساع، وبعد أن تَلطَّفْتَ على الجملةِ ضَرباً منَ التلطُّف. وكيف يُتَصوَّرُ أنْ يَصعُبَ مرامُ اللفظِ بسببِ المعنى، وأنتَ إن أردْتَ الحقَّ لا تَطْلبُ اللفظَ بحالٍ، وإنَّما تَطْلبُ المعنى، وإِذا ظفِرْتَ بالمَعنى، فاللفظُ معكَ وإزاءَ ناظرِك؟ وإِنما كان يُتَصوَّرُ أن يصْعُبَ مَرامُ اللفظِ من أجلِ المعنى، أنْ لو كنتَ إذا طلبْتَ المعنى فحصَّلْتَه، احتجْتَ إلى أن تَطْلبَ اللفظَ على حِدَة. وذلك مُحَال.
٥٣ - هذا، وإِذا توهَّمَ متوهِّمٌ أَنَّا نحتاجُ إلى أنْ نَطْلبَ اللفظَ، وأنَّ مِن شأْن الطلبِ أنْ يكونَ هناك، فإنَّ الذي يتَوَّهم أنَّهُ يَحتاج إلى طَلَبه، هو ترتيبُ الألفاظ في النطق لا مَحالة,. وإذا كان كذلك، فينبغي لنا أنْ نَرْجِع إلى نفوسِنا فنَنْظر: هل يُتَصوَّر أن نُرتِّب مَعاني أسماءٍ وأفعالٍ وحروفٍ في النفس، ثم يَخْفى علينا مواقِعُها في النطق، حتى نحتاج في ذلك إلى فكْرٍ ورويَّةٍ؟ وذلك ما لا يَشكُّ فيه عاقلٌ إِذا هو رَجَعَ إِلى نفسهِ.
وإِذا بطَلَ أنْ يكونَ ترتيبُ اللفظ مطلوبًا بحال، لم يكنِ المطلوبُ أبداً إلا ترتيبُ المعاني، وكان معوَّلُ هذا المخالفِ على ذلك، فقد اضمحلَّ كلامُه، وبانَ أنه ليس لِمنْ حامَ في حديثِ المزيةِ والإعجازِ حَوْل "اللفظِ"، ورامَ أنْ يجعلَه السببَ في هذه الفضيلةِ، إِلا التسكُّعُ في الحَيرة، والخروجُ عن فاسدٍ منَ القول إلى مثلهِ. واللهُ الموفِّق للصَّواب.
٥٤ - فإنْ قيل: إذا كانَ اللفظُ بمَعْزِلٍ عنِ المزيَّةِ التي تنازعْنا فيها، وكانت