للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقصورةً على المعنى، فكيف كانتِ "الفصاحةُ" من صفاتِ اللفظِ البتَّةَ؟ وكيف امْتَنَع أن يَوصفَ بها المعنى فيقالُ: "معنًى فَصِيحٌ، وكلامٌ فصيحُ المعنى"؟

قيل: إنَّما اختُصَّت الفصاحةُ باللفظِ وكانت مِنْ صِفته، من حيثُ كانت عبارةً عن كونِ اللفظِ على وَصْفٍ إذا كان عليه، دلَّ على المزيّةِ التي نحنُ في حديثها، وإِذا كانت لِكَوْن اللفظ دالآ، استحالَ أنْ يُوصفَ بها المعنى، كما يَسْتحيلُ أن يوصَف المعنى بأنه "دال" مثلًا، فاعرفه.

الرد على المعتزلي القاضي عبد الجبار في مسألة "اللفظ":

٥٥ - فإنْ قيل: فماذا دَعا القدماءَ إلى أن قَسَموا الفضيلةَ بينَ المعنى واللفظِ فقالوا: "معنى لطيفٌ، ولفظٌ شريفٌ"، وفَخَّموا شأنَ اللَّفظِ وعظَّموه حتى تَبِعَهم في ذلك مَن بَعْدَهم١، وحتى قالَ أهلُ النَّظر: "إنَّ المعاني لا تَتزايد، وإِنما تتزايدُ الألفاظُ"٢، فأَطلقوا كما ترى كلاماً يُوهِمُ كلَّ مَنْ يَسمعهُ أنَّ المزيَّةَ في حاق اللفظ؟ ٣.


١ في "ج" أسقط: "فقالوا معنى لطيفٌ ولفظٌ شريفٌ، وفَخَّموا شأنَ اللفظ"، سهوًا.
٢ "أهل النظر"، هو المتكلمون، ويعني بهم هنا المعتزلة. وقولهم هذا هو نص كلام القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه المغني في الجزء ١٦: ١٩٩، بعنوان: "فصل في الوجه الذي له يقع التفاضل في فصاحة الكلام"، ونص كلام القاضي هو:
" .... علي أن نعلم أن المعاني لا يقع فيها تزايد، فإذن يجب أن يكون الذي يعتبر، التزايذ عند الألفاظ التي يعبر بها عنها، كما ذكرنا".
هذا، واعلم أن أكثر ردود عبد القاهر في كتاب دلائل الإعجاز، هو ردود على مقالة المعتزلة، وعلى عبد الجبار خاصة، فاعرفه، وسأذكر إشارة عبد القاهر إلى ذلك في مواضعه.
٣ في هامش "ج" حاشية نصها: "يعني في اللفظ حقيقة، فذلك قوله: في حاقَّ اللفظ".