للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ١، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ٢ ومثلها في آخر الأنعام٣، فما كان من مقتضى أسمائه وصفاته، فإنه يدوم بدوامها، ولا سيما إذا كان محبوبا له، وهو غاية مطلوبة في نفسها، وأما الشر الذي هو العذاب، فلا يدخل في أسمائه وصفاته، وإن دخل في مفعولاته لحكمة إذا حصلت زال وفنى؛ بخلاف الخير، فإنه سبحانه دائم المعروف لا ينقطع معروفه أبدا، وهو قديم الإحسان أبديُّ الإحسان، فلم يزل ولا يزال محسنا على الدوام.

وليس من موجب أسمائه وصفاته أنه لا يزال معاقبا على الدوام غضبان على الدوام، منتقما على الدوام، فتأمل هذا الوجه تأمل فقيه في باب أسماء الله وصفاته يفتح لك بابا من أبواب معرفته ومحبته، يوضحه قول أعلم خلقه به وأعرفهم بأسمائه وصفاته: "والشر ليس إليك" ولم يقف على المعنى المقصود من قال؛ الشر لا يُتقرب به إليك، بل الشر لا يضاف إليه سبحانه بوجه، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أسمائه، فإن ذاته لها الكمال المطلق من جميع الوجوه، وصفاته كلها صفات كمال يحمد عليها ويثنى عليه بها، وأفعاله كلها خير ورحمة وعدل وحكمة لاشر فيها بوجه ما، وأسماؤه كلها حسنى، فكيف يضاف، الشر إليه، بل الشر في مفعولاته ومخلوقاته، وهو منفصل عنه، إذ فعله غير مفعوله، ففعله خير كله، وأما المخلوق المفعول ففيه الخير والشر.

وإذا كان الشر مخلوقا منفصلا غير قائم بالرب سبحانه، فهو لا يُضاف


١ الآية ٩٨ من سورة المائدة.
٢ الآية ١٦٧ من سورة الأعراف.
٣ الآية ١٦٥ من سورة الأنعام.

<<  <   >  >>