أما التقرير فإنه إذا قَالَ القائل: ينبئك مثل زيد، ثم أدخل حرف النفي على ينبئك انتفى هذا الموجب سواء أبقينا مثلا على ظاهرها أو أردنا بها ما يراد بقولهم: مثلك يفعل كذا أي أنت تفعل كذا، ومعلوم أن الآية لم يرد بها نفي التنبئة ولو أريد: لا ينبئك أحد مثل تنبئة الخبير لزم إظهار الفاعل ونصب مثل.
وأما التحرير فإنه مما أقيم فيه المسبب مقام السبب، فنفي المسبب والمراد نفي السبب، وهو وجود مثل لهذا الخبير المخبر، فحاصل المعنى من العبارة الكريمة: يا محمد لا تنبئة موجودة من أحد كهذه التنبئة لانتفاء مثل خبير أنبأك بها، وينظر إلى هذا قوله تعالى:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}[الروم: ٣٩] المعنى فلا يقبل، وتقديره: فلا يربو أجره كربا الصدقات المقبولات وتضاعفها، فنفي فرعه لانتفاء أصله، لأن الزيادة فرع المزيد، فإذا انتفى الأصل انتفى الفرع، ونحو منه قوله تعالى:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ}[الإسراء: ١١١] أي من خوف الذل، فنفي اتخاذ الولي لانتفاء سببه وهو خوف الذل فإن اتخاذ الولي فرع المخافة من الذل ومسبب عنها.
وأما قول الشاعر:
على لاحب لا يهتدى بمناره ... إذا ساقه العود النباطي جرجرا
فيحتمل عندي وجهين: أحدهما أن يكون مما نفي فيه المسبب والمراد نفي سببه أي لا منار له فيهتدي به، وحاصله نفي المسيب لاعتقاد نفي سببه، وإنما قلنا إن المراد نفي سببه لأنه لا يلزم من نفي المسبب نفس السبب بخلاف العكس.
الوجه الثاني: أن يكون أراد نفي الجدوى، وهي الهداية، فلعدم جدوى هذا