المنار وهي الهداية به، وإن كان موجودا فكأنه معدوم، ومنه قوله تعالا:{فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ}[التوبة: ١٢] ، يعني الأيمان بعد ثبوتها لانتفاء ثمرتها وهي الوفاء بها.
وكان شيخنا مجلي الحفاظ، ومحلي ترائب المعاني بأتراب الألفاظ، الإمام العلامة أَبُو الْحَسَنِ حازم بن مُحَمَّدِ بْنِ حازم الحازمي، رَحِمَهُ اللَّهُ، يسمي هذا النوع النفي الفرضي، وهو أن يراد نفي الشيء، فينفي جزاؤه، أو ما يخصه إذا قدر وجوده فرضا، ويقصد بذلك تأكيد نفيه ويقول: إن تحقيق التقدير في قول امرئ القيس أن يكون المقصود أنه لا منار فيه يهتدي به، ولو فرض فيه منار أيضا لم يهتد به لأنه من البعد بحيث تتضاءل فيه المسافة التي يمكن أن يهتدي فيها بالمنار فتنقطع عن سالكه، رؤيته وهو على أول تيهه وضلاله، فكأنه لم يهتد به جملة، أو لأنه كثرة الآل والسراب بحيث لو قدر فيه ثبوت منار لم يهتد به أيضا لانطماسه فيها وكأن ما ذهب إليه شيخنا أَبُو الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ ينتظم الوجهين المتقدمين ومن هذا المعنى عندي قوله تعالى {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ}[فاطر: ١٤] أي أنهم لا يستجيبون بحال ولو قدرت سمعهم.
ومن نفي الافتراض عندي قول زهير.
بأرض خلاء لا يشد وحيدها ... علي ومعروفي بها غير منكر
أي لا وحيد بها يشد، ولو قدر فيها ثبوت وحيد لم يكن هنالك من يشده لإقفارها من الأنيس