للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان من عظمة هذا الدين أن جاءت تشريعاته مستغرقة لكل ما أحبه الله ورضيه لعباده أن يتقربوا به إليه، من سائر الطاعات، وملبية رغبة العباد في التقرب إلى ربهم بشتى أنواع القربات، بل ما من عضو من أعضاء البدن، أو حاسة من حواسه، إلا شرع الله لها من العبادة ما تؤدي بها حق شكرها؛ فالقلب واللسان، والسمع والبصر، واليد والقدم لكل منها عبادة مشروعة. (١)

هذا مع مراعاة التوازن في تأدية حقوق الخلق على مختلف الطبقات، وإعطاء النفس حظها من مباح الشهوات كما قال النبي في وصيته لعبد الله بن عمرو بن العاص: «إن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزَورِك (٢) عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا». (٣)

وقال سلمان لإبي الدرداء: «إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا؛ فأعط كل ذي حق حقه». قال النبي : «صدق سلمان». (٤)

وقد اقتضت حكمة الله العزيز الحكيم، أن لم يجعل تلك التشريعات كلها حتماً واجباً على كل فرد، بل كانت على مراتب ودرجات:

فمنها ما هو واجب عيني على كل مسلم، لا يسعه تركه مع القدرة عليه.

ومنها ما هو واجب كفائي على عموم الأمة، تبرأ الذمة بقيام بعضهم به.

ومنها ما هو من نوافل العبادات لا إثم على الأمة بتركها، وإنما جعلها الله


(١) انظر لمزيد الاطلاع والبحث في هذا الموضوع مدارج السالكين للإمام ابن القيم (١/ ١٠٩١٢٢) فقد بسط القول في أنواع العبادات وتعلقها بالقلب واللسان والجوارح، وأحكام العبودية الخمسة مع التمثيل والاستشهاد لكل نوع، بما لا مزيد عليه في التحقيق فجزاه الله خيراً.
(٢) الزَّور: هو الزائر. وهو في الأصل مصدر وضع موضع الإسم. وقد يكون جمع زائر. انظر النهاية لابن الأثير (٢/ ٣١٨).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه. الصحيح مع الفتح (١٠/ ٥٣١) ح (٦١٣٤)، ومسلم في صحيحه (٢/ ٨١٣).
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه. الصحيح مع الفتح (١٠/ ٥٣٤) ح (٦١٣٩).

<<  <   >  >>